الأحد، 29 ديسمبر 2013

وقت صلاة الجمعة

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على من لانبي تعده

اجوبة للسائلين
وقت صلاة الجمعة

اجابة الشيخ، الواعظ: الهادي الغربي، خريج الجامعة الزيتونية، سنة:1967،
مدرس بجامع الزيتونة المعمور، وعضوبالهيئة العلمية، لمشيخة الجامع الاعظم، وفروعه

وقت صلاة الجمعة في السنة الشريفة
ــ روى البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه، عن انس ـ رضي الله عنه ـ قال:[ كنا نبكر الى الجمعة، ثم نقيل].
ــ روى مسلم ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه، ان جابرا بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ سئل،( متى كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي الجمعة)، قال:[ كان يصلي ثم نذهب الى جمالنا فنريحها].
ــ ولمسلم ـ ايضا ـ : عن سهل ـ رضي الله عنه ـ قال:[ما كنا نقيل ولا نتغذى الا بعد الجمعة]، زاد ابن حجر:(في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ).
ــ واخرج الامام مالك ـ رحمه الله ـ تعالى ـ في وقوت الصلاة، باب وقت الجمعة، عن ابي سهيل بن مالك، عن ابيه، انه قال:[كنت ارى طنفسة لعقيل بن ابي طالب، يوم الجمة، تطرح الى جدار المسجد الغربي، فاذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار، خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة، قال: ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء].
ــ هذه الاحاديث، النبوية الشريفة، تثبت بما لايدع مجالا للشك، ان صلاة الجمعة كانت تصلى، ثم يعودون بعدها الى رحالهم، للقيلولة، والغداء، ولم يرو عن احد انه قال ( ثم نرجع بعد صلاة العصر). فتأمل ذلك جيدا.

وقت صلاة الجمعة الفقه المالكي
وقت صلاة الجمعة، هو نفس الوقت المقررشرعا لصلاة الظهر، وهو كغيره من أوقات الصلوات التي تعبدنا بها الحق ـ تبارك وتعالى ـ حين قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء103، وبناء على هذا، فانه ليس لأحد مهما عظم شأنه، ان يغيرها، أويعدل بعضا منها، بعد اذ تظافرت الادلة على صحتها، واجمعت الامة على العمل بها، منذ ان فرضت الصلاة، وكفى ائمة البلاطات، واقزام الوعاظ ، تهريجا، وتلبيسا، وغوغائية، فثورة الكرامة يجب ان تعيد للدين قدسيته، وللعبادة خلوصها، وللمساجد دورها، ولاطاراتها كرامتهم، ومن ذلك ايقاع صلاة الظهرفي وقتها الذي حدده لها الشارع الحكيم، اذقال ـ سبحانه ـ {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} الإسراء78، ودلوك الشمس ـ كما جاء في التحريروالتنوير، لشيخ الجماعة، المرحوم: محمد الطاهربن عاشور, (هولفظ مشترك بين ثلاثة أوقات، من بينها، زوال الشمس عن كبد السماء)اهـ . وفي الحديث الصحيح، عن جابر بن عبد الله، فيما رواه، الامام  الترمذي:(جاء جبريل الى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين زالت الشمس، فقال، قم يامحمد فصل الظهر، حين مالت الشمس، ثم مكث حتى اذا كان فيء الرجل مثله، جاء للعصر، فقال، قم يامحمد فصل العصر....) الحديث، والى هنا قد بين الحديث، أول وقت صلاتي الظهر، والعصر.
وأما باقيه، فقد جاء فيه:(أنه جاءه في اليوم التالي، وامره بصلاة الظهر حين بلغ ظل كل شيء مثله، وامره بصلاة العصرحين بلغ ظل كل شيء مثليه....) الحديث.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من رواية الامام، ابي داود ـ عليه سحائب الرحمة ـ :(أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(امني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر، الأولى منهما، حين كان الفيء ـ أي: ظل الشمس بعد الزوال ـ مثل الشراك ـ أي:شراك النعل ـ ثم صلى العصرحين كان ظل كل شيء مثله....) الى ان قال:(...وصلى المرة الثانية الظهر، حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصربالامس، ثم صلى العصرحين كان ظل كل شيء مثليه...) الحديث.
ومعنى هذا، ان صلاة الظهر، صليت في اليوم الثاني، قبل خروج وقتها الاختياري، ولم تصلى بعد خروجه.
وبناء على هذا، حدد الفقيه المالكي، العلامة، ابن ابي زيد القيرواني ـ رحمه الله ـ وقت الظهر، قائلا:(وقت الظهراذا زالت الشمس عن كبد السماء، وأخذ الظل في الزيادة، ويستحب ان تؤخر في الصيف الى ان يزيد ظل كل شيء ربعه بعد الظل الذي زالت عليه الشمس، وقيل انما يستحب ذلك في المساجد، ليدرك الناس الصلاة، واما الرجل في خاصة نفسه، فأول الوقت افضل، وقيل اما في شد الحرفالافضل له ان يبرد بها وان كان وحده، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(ابردوا بالصلاة فان شدة الحرمن فيح جهنم)، وآخرالوقت ان يصيرظل كل شيء مثله، بعد ظل نصف النهار، وأول وقت العصر، آخر وقت الظهر، وآخره، ان يصيرظل كل شيء مثليه بعد نصف النهار.) ـ اهـ .
وفي ضوء هذا التوقيت، قسم فقهاؤنا المجتهدون وقت صلاة الظهر، الى وقت اختياري، يكون فيه المكلف مخيرا في ايقاع الصلاة في أي جزء منه، دونما اثم، ووقت ضروري، يحرم تأخير الصلاة اليه، مالم يكن معذورا.
وانُى لمؤخري صلاة الظهرلوقتها الضروري، بالمساجد العامة، من عذر، مالم يتوبوا.
علامة الزوال
هذا، ويعرف الزوال، بان ينصب عود مستقيم في ارض مستوية، فاذا ماتناهى الظل في النقصان، اوذهب الظل جملة ثم شرع في الزيادة، اوحدث بعد ذهابه، فهذا هو وقت الزوال، وذلك لأن الشمس اذا طلعت يظهرلكل شاخص ظل في جانب المغرب، وكلما ارتفعت ينقص، واذا وصلت وسط السماء، وهي حالة الاستواء، وقف عن النقصان مدة من الزمان، وعند الزوال قد يبدو للعود ظل قليل، وقد لايبقى شيء من الظل، فاذا مامالت الشمس، عن وسط السماء لجانب المغرب، يتحول الظل الى جانب المشرق ويأخذ في الزيادة، فعند شروعه في الزيادة، او حدوثه في جهة المشرق، تجب صلاة الظهر.
افضل اوقات الصلوات
وأما عن افضل اوقات الصلوات، فايقاعها في اول وقتها المختار، مطلقا، لما روي عن ابن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مما اخرجه الشيخان، انه قال:(سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي الاعمال احب الى الله ؟ قال:[الصلاة لوقتها], وفي رواية:[الصلاة في اول وقتها].

صورة تقريبية لاوقات الصلاة:


والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله، ومن والاه.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

الشك في ركوع مجهول محله حال القيام للركعة الثالثة:

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

فقه الصلاة على المذهب المالكي
أمثلة للشك المتوقع في الفرض المجهول المحل في غير الركعة الأخيرة

6/ الشك في ركوع مجهول محله حال القيام للركعة الثالثة:
      وأمّا إذا شك، أو ظنّ، أو توهم، الإمام أو الفذ،وكان غير مستنكح، في ركوع، ولم يدر محله، حال القيام للركعة الثالثة، أثناء القراءة أو بعدها، وقبل الانحناء للركوع، فإنه يجب عليه إلغاء ما هو فيه، والإتيان بالركوع، الذي جهل محله، وما بعده من أفعال، لإصلاح إحدى الركعتين الأوليين، غير أنه لا يجلس لدعاء التشهد، ثم يأتي بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة،  إن سرا فسرا وإن جهرا فجهرا، ثم يجلس عقبها لدعاء التشهد، باعتبارها ثانية ركعات صلاته، بعد أن ألغيت الركعة الأولى التي انحصر الشك فيها، ثم يتم الشاك وشبهه الصلاة التي هو فيها على صفتها المعهودة، ويسجد بعد السلام، سجدتي السهو، إن لم يحصل معه نقص سنة ولو خفيفة، وإلا فقبله.
      فإن تيقن سلامة الركعة الثانية، ألغى الركعة الأولى، وجعل التي هو قائم لها ثانية ،و أتمّ صلاته على صفتها المعهودة وفق ما تقدم ذكره، بالمثال الخامس، للشك في ركوع مجهول محله حال التشهد الوسط.
      وأما المستنكح، فإنه غير معني بهذا أصلا، وإنما يستحب في حقه أن يسجد سجدتي السهو بعد السلام، ترغيما للشيطان.
... والله اعلم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.
... يتبع ان شاء الله ـ تعالى ـ

ـــــــــــــــــــــــــــ

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

فقه الصلاة على المذهب المالكي
أمثلة للشك المتوقع في الفرض المجهول المحل في غير الركعة الأخيرة

5/ الشك في ركوع مجهول محله حال السجود أو التشهد الوسط:
       وأما الشاك، أو الظان، أو الواهم، إماما كان أو فذا، وكان غير مستنكح، في ركوع ولم يدر محله الذي ترك منه، حال التشهد الوسط، أو أثناء، السجود، فإنّه يجب عليه أن يقوم بنية الإتيان بالركوع الذي جهل محله، وحين يعتدل قائما، يقرأ شيئا من القرءان الكريم، غير الفاتحة، استحبابا، كي يقع ركوعه عقب قراءة، ثم يركع ويأتي بما بعد الركوع من أفعال، وبذلك يحصل له اليقين في سلامة الركعة الثانية، وينحصر الشك في الركعة التي قبلها، والتي يجب عليه إلغاؤها والإتيان بركعة أخرى بدلها، يقرأ فيها الفاتحة وسورة، إن سرا فسرا وإن جهرا فجهرا، ثم يجلس عقبها لدعاء التشهد، باعتبارها ثانية ركعات صلاته، بعد أن انقلبت الركعة الثانية أولى، ثم يتم الصلاة التي هو فيها على هيئتها المعهودة، فإذا سلّم، سجد سجدتي السهو إن لم يكن قد نقص سنة ولو خفيفة، وإلا فقبله.
       وأما إن تيقن سلامة الركعة الثانية، ألغى الركعة الأولى، وقطع عما هو فيه، من دعاء التشهد، وأتى بركعة بدلا عن الركعة الأولى، وفق ما تقدم ذكره، ثم يجلس عقبها لإعادة دعاء التشهد، باعتبارها ثانية ركعات صلاته، بعد أن انقلبت الركعة الثانية أولى. ثم يتم الصلاة التي هو فيها على صفتها المعلومة.
       وأما المستنكح، فإنه غير مطالب بهذا أصلا، وإن استحب له أن يسجد سجدتي السهو بعد السلام، ترغيما للشيطان.

... والله اعلم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.
... يتبع ان شاء الله ـ تعالى ـ
ــــــــــــــــــــــــــــ


بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
المؤنس المعين،على  الدرالثمين
تأليف الشيخ، الهادي الغربي

مقدمة في علم الأصول


قال ابن عاشر- رحمه الله – تعالى- في نظمه الشهير- المرشد المعين على الضروري من علوم الدين :

( مقدمة من الأصول، معينة في فروعها على الوصول)

الشرح :
قدم ابن عاشر- عليه سحائب الرحمة - بين يدي الحديث في فقه الفروع، مقدمة، موجزة من علم الأصول، تحدث فيها عن الحكم الشرعي، وأقسامه، ووسائله، كي يستعين بها دارس فروع فقه الأصول، على معرفة حقائق أحكام تلك الفروع الفقهية، كمعرفة أن الواجب - مثلا- ما طلب طلبا جازما، وأن المندوب ما طلب طلبا غير جازم، ونحو ذلك من الأحكام الآتي بيانها، إن شاء الله ـ تعالى ـ ، كالمحرم، و المكروه، و المباح، وكفى بذلك إعانة، كما قال الشيخ: محمد بن احمد ميارة، المالكي، في كتابه الدرالثمين، والمورد المعين، شرح المرشد المعين، على الضروري من علوم الديــــــن.

وأما قوله: (مقدمة...) فخبر محذوف لمبتدأ محذوف، تقديره هذه مقدمة.

وقوله: (من الأصول...) جاء على حذف مضاف، تقديره علم، أو فن، أي: من فن الأصول، وهو صفة أولى لمقدمة، متعلقة بمحذوف تقديره، منقولة، أي مأخوذة  من علم الأصول.
وقوله: (معينة...)  وصف ثان لمقدمة، أي يستعان بمعرفتها، في فروع الأصول المشار إليها آنفا، على الوصول إلى معرفة أحكامها، وهو معنى قوله: (على الوصول).

وبهذا الوصف ـ كما قال الشيخ ـ  رحمه الله ـ تعالى ـ  : (يتعلق المجروران بعده) أي: بعد  قول الناظم: (في فروعها)، وقوله: (على الوصول).

معنى مقدّمة

ومقدّمة ٬ بكسر الدال٬ أفصح من فتحها٬ أي: متقدّمة.

ومقدمة الكتاب: هي الفصل الذي يعقد في أوله٬ وإن شئت قلت: هي ما يتوقف عليه الشروع في محتواه٬ أوهي خلاصة قدّمت أمام المطلوب٬ لارتباط بينهما٬ وتعريف  به .  

وفي هذا المعنى يقول الشيخ ميارة٬ في مقدّمة كتاب الاعتقاد٬ من الدر الثمين: (ومقدّمة ٬ بكسر الدال٬  بمعنى متقدّمة، من قدم اللازم٬ بمعنى تقدم٬ وبفتحها من قدم المتعدي٬ بمعنى أن الغير قدمها.)، ثم قال:

(وفي مختصر السعد: والمقدّمة٬ مأخوذة من مقدّمة الجيش للجماعة المتقدّمة منه٬ من قدم بمعنى تقدّم٬ يقال مقدمة العلم٬ لما يتوقف عليه الشروع في مسائله٬ ومقدمة الكتاب٬ لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود٬ لارتباط له بها٬ وانتفاع بها فيه٬ والفرق بين مقدمة العلم، و مقدمة الكتاب٬ مما خفي على كثير من الناس.) ـ اھ

ومعنى هذا: ان كلمة ( مقدمة) قد يراد بها، مقدمة الجيش، وهي الجماعة، او الكوكبة المتقدمة منه، وقد يراد بها مقدمة العلم، وهي التي مايتوقف عليه الشروع في مسائله، بخلاف مقدمة الكتاب، فانه يراد بها الفصل الذي يعقد في اوله، وبهذا يظهرالفرق بين قولهم: (مقدمة العلم)، وقولهم: (مقدمة الكتاب).

تعريف الأصل

قوله: (من الأصول...)
الشرح :
الأصل لغة: يجمع على أصول٬ وهو أسفل الشيء٬ ومنه٬ قولهم: (أسفل الجبل) أي: أصله الذي يقام عليه، وأصل الشجرة٬ أي: طرفها الثابت في الأرض٬ وأصل الجدار، أي: أساسه.

والخلاصة٬ هي: أن الأصل ما قابل الفرع ولذلك قالوا: انه ما بني على غيره٬ ومن ذلك أصول الفقه٬ أي: ادلته، وقواعده.

تعريف الفرع

والفرع لغة: يجمع على فروع٬ وهو: ما بني على غيره٬ كالأساس يبنى عليه الجدار٬ وفروع الشجرة٬ على أصولها٬ وفروع الفقه لأصولها.

تعريف علم الأصول

وأما علم الأصول، فهو كما عرفه الفقهاء: (النظر في الادلة الشرعية، لاستنباط الاحكام، والتكاليف، وفق القواعد المقررة في هذا العلم).

وهذه الأدلة التي ذكروا، على ضربين، اجملها الشيخ: محمد ميارة، في كتابه الدرالثمين، والمورد المعين، حيث قال:

أ‌-             أدلة إجمالية، (أي: غيرالمعينة، كمطلق الامر، والنهي، وفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والاجماع، والقياس، والاستصحاب).

ولبيان المراد من بعض هذه الدلائل، قال: (المبحوث عن اولها، بانه للوجوب، والثاني، بانه للمحرمة، كذلك البواقي، بانها حجج، وغيرذلك مما ذكرفي الفن).

هذا، واتماما للفائدة، نشير الى ان تلك الادلة الاجمالية، وهاتيك القواعد الكلية، انما استنسخت من ممارسة الفقهاء المجتهدين، لمسالك الاجتهاد في استنباط الاحكام من ادلتها التفصيلية ـ الاتي ذكرها، قريبا، ان شاء الله ـ  وهي مسمى (علم الاصول)، الذي كان ـ كما يقول، في المقدمة، العلامة ابن خلدون ـ رحمه الله، تعالى ـ: (اول من كتب فيه، الشافعي ـ رضي الله عنه ـ املى فيه رسالته الشهيرة)، ( الرسالة).

والدليل لغة: هو الدال، وهو المرشد،  والهادي الى أي شئ، ويطلق على مايستدل به، وعلى كل مافيه دلالة، وارشاد.

واما الدليل في الاصطلاح الفقهي: فهو ما يمكن التوصل بصحيح النظرفيه الى حكم شرعي، عملي، على سبيل القطع، اوالظن.

واما عن ادلة اصول الفقه المتفق عليها، فهي: الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس، والمختلف فيها، سبعة، هي على مقتضى مذهبنا المالكي: قول الصحابي، وعمل اهل المدينة، والاستحسان، والاستصحاب، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والعرف. 

أدلة تفصيلية، (وذلك، كآيات، وأحاديث الأحكام، وما يتفرع عنهما من مختلف الأقيسة، وضروب الاجماعات، كقوله ـ تعالى- : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً{103} ـ النساء، وقوله –تعالى-:{ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً{32} ـ الاسراء، وكصلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الكعبة، فيما اخرجه البخاري، والاجماع على ان لبنت الابن السدس، مع بنت الصلب، حيث لاعاصب لهما، وقياس الارز، على البر، لامتناع بيع بعضه الا مثلا بمثل، يدا بيد، كما رواه مسلم، واستصحاب الطهارة لمن شك في بقائها).
 
تعريف علم الفقه

الفقه لغة: كلمة مشتقة من فقه، بكسر القاف، يفقه، بفتحها، فقها، بكسر الفاء وسكون القاف، علم الأمر، وأدركه بجهد، وتكلّف، فهم غرض المتكلم من كلامه.
وبناء على هذا، يعلم أن الفقه في اللسان العربي٬ ليس ذلك الفهم السطحي٬ البسيط٬ الذي يدرك بداهة دونما جهد ذهني، وإنما هو كما قال الإمام الشاطبي - رحمه الله تعالى- هو:(الفهم الدقيق للأشياء)، و لذلك فإنه لا يقال مثلا- فقهت أن السماء فوقنا، أو فقهت أن الشمس تشرق من المشرق، فإدراك مثل هذه الحالات، وفهمها لا يحتاج إلى مجهود ذهني، أو إلى مشقة، بل انها معروفة بداهة.
وفي هذا المعنى - والله أعلم- يقول – تعالى- :{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ{81} ـ التوبة،  - وقال ـ تعالى- على لسان موسى- عليه السلام-: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي{25} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي{26} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي{27} يَفْقَهُوا قَوْلِي{28} ـ طه، وقال – سبحانه-:{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً{78} ـ النساء.
وأماكلمة فقّه، بفتح الفاء، وتضعيف القاف، وفتحها، يفقّه، بكسرالقاف، وتضعيفها، تفقيها، أي :علّم غيره، وفهّمه وصيّره فقيها.

بخلاف كلمة، فقه، بفتح القاف، فقها، بسكونها،أي: غلب غيره في الفقه.

أو كلمة فقه، بضم القاف، فقاهة، بفتحها، فإنما يراد بها من صارالفقه، والفهم، والادراك، سجية له، اي: وكأنه اصبح المعيا، سريع الفهم، كما قال الشاعر:
الالمعي الذي يظن بك الظــ
ــن كأن قد رأى وسمعــــــا
هذا ـ وكما قيل ـ : قد غلب اطلاق لفظ (الفقــه) على علم الدين، لسيادته، وشرفه، وفضله، على سائر انواع العلم، كما غلب النجم على الثريا.
وقد جعله العرف (بعلم الشريعة)، شرفها الله ـ تعالى ـ وتخصيصها (بعلم الفروع).
الفقه اصطلاحا: وأما الفقه اصطلاحا، فهو العلم بالأحكام الشرعية، العملية،  المكتسبة من الأدلة التفصيلية، و إن شئت قلت هو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الإجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر مندوب وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، وان القتل بمثقل يوجب القصاص، وما إلي ذلك من الأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة التفصيلية، والتي طريقها الاجتهاد.
الاجتهاد لغة: هوبذل الجهد، والطاقة، في سبيل التحصيل على امرمادي، اوغيره، وبناء على هذا، فانه ـ كماقيل ـ لفظ لايستعمل الا فيما يقتضي من صاحبه جهدا ومشقة، فيقال مثلا: اجتهدت في فهم نصوص القرءان الكريم، ولايقال: اجتهدت في فهم ان ايام الاسبوع سبعة.
الاجتهاد اصطلاحا: واما الاجتهاد عند علماءالاصول، فهو بذل الفقيه الوسع في استنباط الاحكام الشرعية من ادلتها.
واما ما ليس طريقه الإجتهاد، كالعلم بأن الصلوات الخمس فريضة، وأن الزنى محرم، أو الأحكام الإعتقادية، كالعلم بالله ـ سبحانه ـ وتعالي - ، وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية، فلا يسمي كل ذلك فقها، لأن معرفته يشترك فيها العام، والخاص.      
ووفق هذا التعريف، نقرر، أن الفقه لا يتناول إلا علم المجتهد .
وعلم المجتهد هنا، يراد به الظن، أي: المعرفة التي بمعني العلم، لأن المراد بذلك  إنما هو ظن المجتهد الذي لقوته صار قريبا من العلم.
وإنما قيد علم المجتهد، بالظن ـ كما قال الشيخ ميارة ـ :( لأن المعرفة في غير هذا الموضع، مرادفة للعلم، الذي هو الإدراك الجازم، المطابق، الثابت، كما هو الاصطلاح المشهور.
وإنما لم تجعل المعرفة مرادا منها الظن ابتداء، من غير حاجة إلى جعلها بمعنى العلم أولا، إتباعا للشائع، فان الشائع إطلاقه على الظن لفظة العلم دون المعرفة.) اهـ .
وأما قولهم:(هوالعلم بالأحكام)، فهذا قيد خرج به العلم بالذات، والصفات، والأفعال، ذلك ان العلم بهذه الأشياء ومعرفتها، لا يسمى فقها.
والمراد بالأحكام النسب التامة، التي هي ثبوت أمر لآخر، إيجابا، أو سلبا.
وقولهم:(الشرعية)، أي: أن تلك الأحكام لا بد أن تكون مأخوذة من الشرع بالتصريح، أو الاستنباط ، وبهذا القيد خرجت الأحكام العقلية الضرورية، كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين، وخرجت ـ أيضا - الأحكام النظرية، كالحكم بأن الأثر لا بد له من مؤثر، وكذلك خرجت الأحكام الحسية، كالحكم بأن الجدار طوب، وحجر، وخرجت الأحكام العادية، كالحكم بأن النار محرقة، فمعرفة هذه الأحكام كلها، لا يسمى فقها.
وقولهم:(العملية)، أي: أن الأحكام الشرعية لا بد أن تكون متعلقة بكيفية عمل قلبي، كالعلم بوجوب النية في الوضوء، أوعمل بدني، كالعلم بسنية الوتر، وبهذا القيد خرجت، الأحكام الاعتقادية، التي لم تتعلق بكيفية عمل، كالعلم بأن الله ـ تعالى- واحد، وأنه ـ سبحانه - يجب له الكمال، ويستحيل عليه النقص، إذ لا يسمى العلم بهذا، فقها.
وقولهم:(المكتسبة)، أي: أن العلم بالأحكام الشرعية، العملية، لا بد أن يكون مكتسبا، اي: مأخوذا بالنظر، والتأمل، وإعمال الفكرفي الأدلة الشرعية، وبهذا القيد خرج علم الله ـ تبارك وتعالى- وعلم كل نبي، وعلم كل ملك، فلا يسمى فقها، لانه ليس مكتسبا.   
وقولهم: (من الأدلة التفصيلية)، أي: أن اكتساب الأحكام الشرعية العملية، لا بد أن يكون من الأدلة التفصيلية، التي هي الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، وذلك بالنظر فيها، والاستنباط منها، وبهذا القيد ـ كما جاء في كتاب، ايصال السالك، في اصول الامام مالك، لابن الطالب: (يخرج علم المقلدين المخلصين، الذين ليس لهم إلا حفظ فروع المذهب، وضبطها، ككل علماء الأمة، حيث لا يسمى علمهم بتلك الفروع فقها، وإنما يسمى نقلا، ورواية، ذلك أنهم لم يكتسبوا تلك الفروع بالنظر في الأدلة التفصيلية، بل اكتسبوها بالنقل، والرواية من بطون الكتب المعتمدة، إذ ليس لهم فيها إلا مجرد نقلها للناس، وروايتها، وحفظها، ولا حجة لهم على كونها أحكاما شرعية، إلا لأنها منقولة بالتواتر عن المجتهدين الذين استخرجوها بالنظر، والاستنباط من الأدلة التفصيلية، التي هي الكتاب، والسنة، وفتوى المجتهد، حكم الله - تعالى- في حقه، وحق مقلديه) اهـ .
... والله اعلم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام، على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.

... يتبع ان شاء الله ـ تعالى ـ