الأحد، 21 أغسطس 2016

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

من خصائص الخطبة الجمعية
على المذهب المالكي
الخاصية الخامســـــة

أن حضورها فرض عيـن: وذلك لأمره ـ تعالى ـ بالسعي إليها حيث قال سبحانه وتعالـى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} الجمعة-9-
والأمر بالسعي كما جاء في أحكام القرآن للطبري هو:" للوجوب" وبه قال القرافي وغيره.
   هذا, وإذا كان لفظ السعي في القرآن الكريم, يراد به: العمل, والفعل والإهتمام, وليـس السعي على الأقدام, كان اعتباره بهذا المعنى أوكد في مطالبة المخاطبين بالجمعة، بالحضورلاستماع الخطبة من أولها والإهتمام بها, لقوله تعالى:" فاسعوا إلى ذكر الله" وذكر الله كما أسلفنا عموم في الخطبة والصلاة.
   وللإمام مالك تفسير جيد لكلمة السعي, إذ روي عنه في الموطأ, أنه سال ابن شهاب عــن قول الله ـ عز وجل ـ {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللهفقال ابن شهاب: كان عمر بن الخطاب يقرؤها:" إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله". قال مالك: وإنما السعي في كتاب الله: العمل والفعل، يقول الله ـ تبارك وتعالـى ـ: {وإذا تولى سعى في الأرض} وقال تعالى: {وأما من جاءك يسعى وهو يخشىوقـال: {ثم أدبر يسعى وقال: {إن سعيكم لشتى قال مالك: فليس السعي الذي ذكر الله فـي كتابه: السعي على الأقدام, وإنما عنى العمل والفعل" إهـ 
وما الفعل والعمل إلا الحضور الفعلي لاستماع الخطبة وأداء الصلاة.
بل وأحسب أن حضور الخطبة الجمعية, واجب- أيضا- على رأي مفسري السعي, بالمضي والسير على الأقدام, إذ الغرض من الأمر بالسعي, كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تنوير المقباس, هو:" المضي إلى خطبة الإمام والصلاة معه" . إ هـ
   ويقول الشيخ أبو الحسن المنوفي في كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيـد القيرواني: " وإذا وجب السعي إلى الجمعة وهو وسيلة, فأحرى ما سعى إليه... إذ المراد بالسعي هنا: المشي, وهو فرض في الحضور, حتى لو كان في المسجد لا يجب عليه، وانما وجب عليه السعي للجمعة ولم يجب في غيرها لانها لاتكون الا في الجامع، واما غيرها فلايختص بموضع" إهـ
  وإلا يكن ذلك كذلك, تفقد الخطبة الجمعية حكمة مشروعيتها, وحاشا لله أن يدعو الناس لغير صالح معاشهم ومعادهم.
ولنا أن نستشف كذلك فرض حضور الخطبة الجمعية مما أثر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولا وعملا, إذ قد روي عنه فيما أخرجه النسائي عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" رواح الجمعة واجب على كل محتلم".
وما الجمعة, إلا خطبة، وصلاة, وتركهما أو أحدهما لغير ضرورة موجب لغضب الله تعالى حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم:" لينتهي أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم, ثم ليكونن من الغافلين". وفي رواية لإبن ماجه, أنه صلى الله عليه وسلم قال:" من ترك الجمعـة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله على قلبه".
بل وقد بلغ من شدة غضبه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم, أن قال:" لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".
     ثم ها هو عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ينكر على من لم يحضر الخطبة من أولها, ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:" بينما عمر ابن الخطاب يخطب في الناس يوم الجمعة, إذ دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه, فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء يوم الجمعة؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين, ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضا, ألم تسمعوا رســول الله صلى الله عليه وسلم يقـــول: " إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل".
وتعليقا على قول عمر, هذا, قال الإمام النووي في قوله: " أي ساعة هذه؟" قاله توبيخا وإنكارا لتأخره إلى هذا الوقت".
     وبناء على هذا, أجمع علماء الإسلام كما قال الفاكهاني, على وجوب الجمعة على جميع المخاطبين بها, ما لم تقعدهم الموانع الشرعية عن حضورها.
وما الجمعة في المفهوم الشرعي, إلا عبادة مؤلفة من خطبتين وصلاة ركعتين, يجب على المخاطبين بها السعي إليها, سعي يدركون به حضور الخطبتين من أولهما.
 ويخطئ بعضهم حين يزعم أن حضور خطبتي الجمعة فرض كفائي, إذا قام به إثنى عشـرغير الإمام, ممن تنعقد بهم الجمعة, سقط عن جميع المخاطبين بها حضورهما, ويكفهـم حسب زعمهم إدراك ركعة فقط من صلاة الجمعة للخروج من عهدة ما فرض عليهم.
    والحقيقة, أن مثل هذا الكلام, تخمين غير بصير بمقاصد التشريع الإسلامي, وتأويل لنصوص فقهية في غير محله.
ذلك أن الفرض الكفائــي الذي أسقط عنهم الفرض العيني إنما هو متعلق بصحة صلاة الجمعة, وانعقادها, بحيث لو حضر العدد المذكور الخطبة من أولها إلى السلام من الصلاة, صحت الجمعة وخرجوا من عهدة الواجب, وإلا باء جميع المخاطبين بها بجريرة تعطيلها.
وأما الزائد على هذا العدد, فحضورهم خطبتي الجمعة فرض عين في حقهم, لا يسقطه عنهم الإمام والإثنى عشر الذين انعقدت بهم الجمعة, وإن صحت صلاتهم بإدراك ركعة منها، وأما عدم حضورهم خطبة الإمام فهذا وزر آخر..
    ولذلك قال العلامة, محمد الطاهر بن عاشور, في قوله تعالى:" وإذا رأوا تجارة أو لهـوا انفضوا إليها وتركوك قائما": وهذه الآية تــدل على وجوب حضــور الخطبــة في صـــلاة الجمعة, إذ لم يقل: وتركوا الصلاة" إهـ

... يتبع ان شاء الله ـ تعالى ـ ... والحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على سيدي، وقائدي، وقرةعيني، وشفيعي، محمد رسول الله، وعلى آله، واصحابه، ومن والاه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ