الخميس، 8 يوليو 2010

مؤانسات وعظية، المجلس الثاني: رجب الحرام

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

الهــــــي...

هجرت الخلق طرا في هواك

وأيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعوني في حبــــك إربا

لما حن الفؤاد إلى سواك

سبحانه، أمر ملائكته الأبرار، وحفظة عباده الأخيار قائلا :

(إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها، فاكتبوها له حسنة، فان عملها، فاكتبوها له سيئة، فان تاب منها فامحوها عنه، وإذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها، فاكتبوها له حسنة، فان عملها فاكتبوها بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف.)

ـــ من نفحات ربنا :

وهاهوـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ قد لفت الأنظار، ووجه العقول، داعيا إلى اقتناص مواسم الخير، وارتياد معارض البركة، وواحات الرحمة، حيث قال:(ان لربكم في بقية أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبدا.)

ومن أيام دهرنا الحبلى بالنفحات الإلهية، والتجليات الربانية ... شهر رجب، شهر رجب الذي قال فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي.)

ـــ رجب شهر الله ـ تعالى ـ :

فكون رجب شهر الله ـ تعالى فلأنه ـ عظمه وحرمه... وفي اللسان العربي :

رجب الشيء، أي : عظم، و رجبت الشيء، أي : عظمته .

وهو عند أهل الإشارة: رجب ثلاثة أحرف، راء، وباء، وجيم، فالراء رحمة،

والجيم جرم العبد وجنايته، والباء بر الله الرحمان الرحيم .

وبناء على هذا، فكأن الله ـ تعالى ـ يقول ـ والله أعلم ـ كما جاء في كتاب مكاشفة القلوب للغزالي ـ رحمه الله ـ :(أجعل جرم عبدي بين رحمتي وبري)

وفي رواية :(يا عبدي، جعلت جرمك وجنايتك، بين بري ورحمتي، فلا يبقى لك جرم ولا جناية بحرمة شهر رجب)

إخوة الإيمان، فإذا كانت هذه منزلة شهر رجب و مكانته...كان حريا بنا أن نعظمه ... بل ونعظم من عظمه ...ونحترم من عظم الذي عظمه ...

ــــ الجاهلية وشهر رجب :

فهاهم أولاء... عرب الجاهلية بلغ من احترامهم لشهر رجب...وتعظيمهم إياه، أنهم يفتحون باب الكعبة المكرمة طيلة هذا الشهر ــ والحال أنهم لا يفتحونه إلا يومي الاثنين والخميس ــ ثم يقول قائلهم : ( الشهر شهر الله، والبيت بيت الله، والعبد عبد الله، فلا يحرم عبد الله، من بيت الله، في شهر الله)

ـــ رجب مضــر:

وهذه قبيلة مضر ـ إحدى قبائل العهد الجاهلي ـ كانت تبالغ في رفع منزلة شهر رجب، وتعظيمه، حتى نسب إليها، فكانوا يقولون: ( رجب مضر)

ـــ الثأر في شهر رجب:

وإذن... فلا قتال ـ عند مضرـ... و لا ثأر... و لا خصومات...و كان الجاهلي يمر بقاتل أخيه أو أبيه... فلا يمسه بسوء، و لا يصله بعيب، ولا يحاسبه على جريمته إلى أن ينقضي شهر الله الحرام ... بل وكذلك كان عرب الجاهلية جميعا وفي الأشهر الحرم كلها.

فالحياة طيلة الأشهر الحرم، أمان...و أمن...وسلام... لا حروب ... ولا ثورات... ولا اغتيالات.... تعظيما... و تقديرا...و احتراما ... لهذه الأشهر التي حرمها الحق ـ سبحانه ـ

ـــ شهر رجب في الإسلام :

و لما أكرم الله ـ تعالى ـ البشرية بالإسلام الحنيف، أقر الرسول الكريم، محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان لشهر رجب من المنزلة... والشرف...حيث كان ـ عليه السلام ـ يرفع يديه الشريفتين داعيا الله ـ تعالى ـ : ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )

وإننا ـ أيضا ـ لواجدون في القرءان الكريم، ما يشير إلى علو منزلته، وحرمة أيامه ولياليه ، إذ قال ـ تبارك و تعالى ـ :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{36} إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{37}) ـ التوبة

ـــ شهور السنة عند الله ـ تعالى ـ :

هذا، وفي ضوء هذه الآية الشريفة، نقررـ أولا ـ أن أشهر السنة عند الله ـ تبارك وتعالى ـ اثنا عشر شهرا، لا ثلاثة عشر شهرا... ولا أربعة عشر شهرا... خلافا لما كان يفعله أهل الجاهلية من زيادة أو نقصان ...أو تغيير في الأشهر، تحيلا لاستحلال ما حرم الله ـ تعالى ـ كي يستبيحوا ما حرم عليهم، وفي هذا يقول مجاهد، و أبو مالك (كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا ، ويجعلون المحرم صفرا) وهو المعروف ( بالنسيء)

ونقرر ثانيا، أن السنة في الشرع، هي السنة القمرية، التي أقـت الله ـ عز و جل ـ بها جميع العبادات، كالصيام ... و الحج... و الكفارات... وعدد المرأة المطلقة رجعيا ... إذ لا تقبل عبادة و لا يصح عمل شرعي إلا إذا كان مؤقتا توقيتا قمريا.

ـــ شهور السنة القمرية :

و أما عن شهور السنة القمرية، فهي ( محرم ـ صفر ـ ربيع الأول ـ ربيع الثاني ـ جمادى الأولى ـ جمادى الثانية ـ رجب ـ شعبان ـ رمضان ـ شوال ـ ذو القعدة ـ ذو الحجة )

ـــ تعريف الأشهر الحرم:

و أما عن الأشهر الحرم، فقد بينها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين خطب الناس بمنى عام حجة الوداع، فقال: ( أيها الناس إن الزمان قد استدار، فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات و الأرض، وان عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا، منها أربعة حرم، أولهن، رجب مضر، بين جمادى وشعبان، و ذو القعدة، و ذو الحجة، والمحرم )

ـــ معنى حـــرم:

و معنى حرم، أي: أن لها حرمة يحب أن لا تنتهك، ولذلك ـ والله اعلم ـ قال الله ـ تعالى ـ:( فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).... وفي هذا المقام، يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ :(أي، في الشهور كلها، ثم اختص الله من ذلك أربعة فجعلهن حراما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح، والأجر أعظم )... وقال قتادة :(إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وان كان الظلم على كل حال أعظم، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء)

ـــ مرجع تعظيم الأشياء:

وهذه هي مشيئة الله ـ سبحانه ـ يعز من يشاء، و يذل من يشاء، ويعظم من يشاء وما يشاء، و لا يسأل عما يفعل، ولذلك فانه لما شاءت إرادته، واقتضت حكمته، اصطفى من الملائكة رسلا ـ واصطفى من الناس رسلا، و أنبياء، وأولياء ـ واصطفى من الكلام ذكره ـ واصطفى من أرضه المساجد ـ واصطفى من المساجد، المسجد الحرام ـ واصطفى من الأشهر، الأشهر الحرام ـ واصطفى من الأيام، يوم الجمعة ـ واصطفى من الليالي، ليلة القدر ـ واصطفى من الرسل، الرسول الحبيب محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ـــ تعظيم ما عظم الله ـ تعالى ـ:

فلنعظم ـ أحبتي ـ في الله- ما عظم الله ـ عز وجل ـ فتعظيم ما عظم الله ـ تعالى من التقوى، أوليس ـ بربكم ـ هو القائل:( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ{30} حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ{31} ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ{32}) ـ الحج

ـــ شهر رجب مفتاح أشهر الخير:

وصدق أبو بكر الوراق البلخي، إذ قال: (شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد)

ـــ هدية المجلس :

ــ لم يصح في فضل صوم شهر رجب بخصوصه، شيء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن ورد في الأشهر الحرم كلها حديث مجيبة الباهلية ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( صم من الحرم واترك ) قالها ثلاثا .

ــ والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب، كذب، وباطل، فلا تصدقوها .

ــــ مراجع المجلس:

القرءان الكريم ـ الصحيحان ـ مسند الإمام أحمد ـ الإتحافات السنية، للحدادي ـ تفسير الجلالين ـ تفسير مختصر ابن كثير، للصاوي ـ تفسير التحرير والتنوير ، لمحمد الطاهر بن عاشور ـ مكاشفة القلوب ، للغزالي ـ لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف،لزين الدين بن رجب الحنبلي ـ الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرارـ صلى الله عليه وسلم ـ للنووي ـ الفتاوى ، لابن تيمية ـ الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمان الجزيري ـ الشرح الكبير، للدردير ـ القوانين الفقهية، لابن جزى......

ــــ ملاحظة:

ــ حديث : ( رجب شهر الله....)السابق ذكره، حديث مرسل ضعيف / وقال فيه الشيباني، حديث مرفوع، أخرجه الديلمي عن أ نس .

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، والحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله ومن والاه.


هناك تعليق واحد:

  1. جزاكم الله على هذا المقال و على الٌتبين انّ الٌتنفل بالّصيام او غيره في رجب بنيّة رجب هو باطل من باب المحدثات و البدع لم يرو على النبي صلى الله عليه و سلٌم

    ردحذف