الاثنين، 12 يوليو 2010

الصّف...الصّف...يرحمكم الله

إن رابطة الوحدة والإخاء بين أمة القرآن، ضـــرورة حتمية لحمايتها من التّصدع والإنهيار، ومبدأ أساســــي من مبادئ الشّريعة الإسلامية، نزل به الوحي، ومارسه المسلمون بقيادة النّبي الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – منذ فجر الإسلام .

والصلاة التي يجتمع المؤمنون لآدائها – يوميا – لهـــي أعظم الأركان – بعد الشهادتين – تعميقا لهذه الرابطــة في المجتمع الإسلامي، بفضل ما تطبع به قلوبهم مــــن مشاعرالحب والتآخي في الله الواحد الذي به عزهــــــم وسـرعظمتـــــــهم ومناعة بنـــائهم، حين يقفون صفوفا متراصـــــة خلف إمــام واحد في اتجــــاه قبلة واحدة، عامرة أفئدتــــــهم بتلك الصلاة آلتي دعاهم نداء التوحيد والفلاح لإقامتــها بين يدي رب العالمين.

إلا أن ما نراه اليوم في عديد المساجد من تهاون بالصف في الصلاة ليحـز في نفس المؤمن الصادق،ويبعث على الأسى و الكرب، مما آلت إليه صفوف بعضهم، من تبعثر، واعوجــــاج، وفرج بين المصلين، و منفردين وراءالصف، هنــــــــا وهناك، قد شحوا بمحاذاة إخوانهم، فاسحين المجـــــــال للشيطان بالدخول فيما بينهم بالفرقة والبغضاء، وناسين تحذير الرسول – عليه السلام- إذ قال:(من وصل صفا وصله الله. و من قطع صفا قطعه الله) ودعوته إياهـــم للتشبه بالملائكة، لما قال :( ألا تصفون كما تصـــــف الملائكة عند ربها؟) فقلنا يا رسول الله، كيف تصـــــف الملائكة عند ربها؟ قال:( يتمون الصــــــــــــــف الأول ويتراصون في الصف )

بل، ولأهمية الصف في الصلاة، كانصلى الله عليه و سلم - يحرص على تسوية الصفوف بنفسه، ثم يقبل على أصحابه بوجهه قائلا، قبل أن يكبر: ( تراصوا في الصف واعتدلوا) و( سووا صفوفكم فإن تسوية الصـف من تمام الصلاة) ، وقد تألم ذات يوم، إذ رأى رجـــــلا منتبذا بصدره، فقال: (عباد الله سوواصفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .

وإنه لكذلك... فما شرعت صلاة الجماعة إلا لتكون لقاءات يومية متجددة، تتعانق فيها الأرواح، وتلامس – أثناءها رابطة التوحيد شغاف قلوبهم- فتمحو ما بصدورهم من أثرة وغل،وتزيل تلك الفوارق الرخيصة، التي تباعد بين وجوههم وتوهي عقد وصالهم، الذي به عصمة أمرهم وإعلاء كلمتهم.

ـ لاصلاة لمنفرد خلف الإمام :

و هذا – عندي -أنبل ما توحي به الجماعة في الصـلاة و تعمل على توطيده، ولي في فزع الصحابة- رضوان الله عنهم – يوم رأوا رجلا يصلي خلف الصف وحــده ما يغني عن الإستدلال – إذ هرعوا إلى النبي – صـلى الله عليه و سلم يشكونه المفاجأة، فأجابهم: (يعيدالصلاة).

وقال:( لاصلاة لمنفرد خلف الإمام).

و بهذا قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – و استحب الإعادة الجمهور و أفتوا بجواز المشي – بعد تكبيـرة الإحرام – إلى الصف لسد الفرج أو جذب واحد منــه إذا لم يجد المنفرد سعة في الصف، وعلى المجذوب موافقته.

فالصّف...الصّف...أيها المؤمنون واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ... لعلّكم تنصرون

ملاحظة: مقال نشر للشيخ، بجريدة الأنوار، تونس 14 أوت 1983


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق