السبت، 31 يوليو 2010

فقه عبادات على المذهب المالكي



                                          بسم الله الرحمان الرحيم
                                                                             
مسألة فقهية:/تذكر الركوع حال السجود، أو الجلوس:
من  قرأ، وسها عن الركوع، فانحط اثر القراءة مباشرة للسجود، ثم تذكر الركوع وهو ساجد، أو تذكره أثناء الرفع من السجود، أو وهو جالس بين السجدتين، أو حال دعاء التشهد، قطع عما هو فيه، وألغى ما فعل، ورجع للقيام بنية الإتيان بالركوع المسهو عنه، حيث ينحط له من قيام، ويستحب له أن يقرأ شيئا من القرءان الكريم من غير الفاتحة، حتى ولو كان في الركعتين الأخيرتين، وذلك ليكون ركوعه عقب قراءة، ثم يركع، ويتمادى على صلاته التي هو فيها، فإذا سلّم، سجد سجدتي السهو، إلا أن يكون قد نقص سنة ولو خفيفة، فيسجد قبل السلام، لاجتماع النقص، والزيادة، وسواء في ذلك كان الساهي إماما أو فذا.
وأما المستنكح فغير مطالب بالسجود للسهو أصلا، وإن  طولب بإصلاح صلاته.

الاثنين، 26 يوليو 2010

مؤانسات وعظية، المجلس الرابع :تحويل القبلة


بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

الهي ...

رضاك أمان ورحمـــة

وقضاؤك عدل وحكمة

اخوة الايمان، رواد مجلسنا الأكارم، مازلت واياكم أتابع الاحداث المميزة، والجليلة التي حدثت في شهرشعبان المبارك ...

وانها ـ لحق ـ أحداث عظيمة، حبلى بالعبر والمعاني، طافحة بالتجليات، والنفحات ...

وها نحن ـ أخوتي في الله ـ مدعوون اليوم لنشخص حدثا جديدا، له في تاريخنا المجيد، أكثرمن معنى... وفيه غيرموعظة ... ودرس...

ولكن...ولكي نشد بطرفي الخيط، عليناأن نصل الماضي بالحاضر... ونتابع الحدث من موقعه... ونستحضرـ معا ـ موقف قريش ازاء معجزتي الاسراء والمعراج، وما كان من أمرصبررسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد انقض عليه كفارمكة، يؤذونه، ويعنفونه بأكثرشراسة، وأشد ضراوة...

ـ عقبة بن ابي معيط ، يخنق الرسول ـ عليه السلام ـ :

فهذا، عقبة بن ابي معيط ـ كما روى عمروبن العاص ـ رضي الله عنه ـ فيما رواه الامام البخاري ـ رحمه الله ـ تعالى ـ قال:(بينما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي في حجر الكعبة، اذ أقبل عليه عقبة بن أبي معيط، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبوبكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكــم با لبينات من ربكم ).

ـ فاطمة تزيل القاذورات عن أبيها ـ عليه السلام ـ :

ثم هاهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم وقد انتحى ناحية بجوار الكعبة المشرفة، يصلي لله ـ تعالى ـ ويناجيه، وفاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ واقفة بجانبه، ترمقه بعينيها البريئتين، وترعاه بقلبها الصغير... اذ مرأحد المشركين ... فسخر منه وهو ساجد بين يدي رب العالمين، ثم ألقى على ظهره الشريف قاذورات منتنة، وبقايا ذبائح معفنة، والبنية الصغيرة، فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ تقف مشدوهة، تلتقط احدى صورالظلم التي حفظها التاريخ... وتسجل لدولة الباطل صولة لم تعرف حينها ان عمر الباطل وان طال قصير... وما ان ولى، هذا المشرك المستكبر، حتى تقدمت من أبيها، الرسول، وأزالت عن ظهره الشريف، تلك القاذورات، والأوساخ، وهي تذرف دموع الشفقة والحنان، تبكي كبرياء قريش، ومحاداتها الله ورسوله ... ولما قضى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاته ، قال لها بلسانالأب العطوف: (لاتبكي ياابنتي، ولسوف يخزيه الله ).

ـ مستلزمات الدعوة :

وماذا عساه أن يفعل ياترى؟ وهو الرسول الذي أمره ربه اذ ناداه قائلا : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{67}) ـ المائدة

ماذا عساه يفعل؟ وهو الذي قد أقسم في ثقة وايمان: (ياعم، والله لووضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الامرحتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ماتركته ).

ثم ماذا عساه أن يفعل؟ والكعبة الشريفة باتت وكأنها جزء من كيانه ... بل، وكيف لاتكون كذلك، وهي بيت الله الحرام... وجوهر الدعوة الاسلامية، وعمادها، حيث قال ـ تبارك وتعالى ـ :( ِان أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ{96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{97} آل عمران

أفتراه بعد هذا يتوانى في تبليغ الرسالة ... أويستسلم ...؟ لاأبدا...

ـ الهجرة الى يثرب:

... وانما ظل ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرابطا، صابرا... مجاورا للكعبة الشريفة، متعبدا... متبتلا... محتسبا... الى أن جاءه الاذن من ربه الرحمان الرحيم، بالرحيل عن مكة المكرمة، والهجرة الى يثرب... يثرب المدينة التي نورت بهجرته اليها ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن تآمر عليه أشراف قريش، وأسيادها، قادة معسكرالشرك... وحماة هبل، واللات، والعزى...الذين أجمعوا أمرهم على التخلص من صاحب الدعوة، وتصفيته جسديا، وأعدوا خطة شيطانية، من وحي ابليس اللعين، تتمثل في أن يتولى أجلد فرسان شباب القبائل العربية،قتله بضربة واحدة، من أسيافهم البتارة،وعندها يتفرق دمه بين القبائل، وتعجز عشيرته عن المطالبة بدمه، فيرضون بالدية، وينتهي أمرمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويطفأ النورالذي جاءبه...

الا أن الله ـ سبحانه ـ خيب مسعاهم، وفضح أمرهم، وجعل كيدهم في تباب، وأنزل فيهم قرءانا، دائم التلاوة الى يوم القيامة، يقول فيه ـ تبارك وتعالى ـ: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ{30}) ـ الأنفال

وامتثل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرربه... وهجر مكة المكرمة ... مكة المنشأ... والأسرة... والعشيرة...والأصحاب ...مكة الموطن ...والارض، والسماء، والماء، والهواء... مكة حراء، والوحي ...والاسراء ، والمعراج...

ولاأشد ـ أيها الاخوة والأخوات ـ على النفس من فراق الأحبة ...والخلان، ولكن أمرالله ـ تعالى ـ يجب أن ينفذ وان عارض ارادة الانسان وحال بينه وبين رغباته...اذ ليس من الايمان في شئ التمرد على أوامر الله ـ تبارك وتعالى ـ بل ومن الحماقة أن يحاول عبد معاكسة المشيئة الالهية، وهو العاجز عن معاكسة الجاذبية الارضية، وغيرها من السنن الكونية التي تحكم حياته طوعا أوكرها... وفي الحديث القدسي الشريف نلمس في غيرما عناء هذه الحقيقة التي يغفل عنها كثيرمن الناس، اذ قال ـ عز من قائل ـ : (عبدي أنت تريد وأنا أريد فان سلمت لي فيما أريد، كفيتك ما تريد، وان لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ولايكون الا ما أريد) .

ـ الوداع ياأحب البلاد الى الله ـ تعالى ـ :

ورحل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مكة المكرمة، وفي مقلتيه الشريفتين دموع اللوعة والأسى، وباللسان الصادق الأمين يودعها قائلا:(والله، اني لأخرج منك، واني لأعلم أنك أحب بلاد الله الى الله وأكرمها عليه، ولولا أن أهلك أخرجوني ماخرجت ).

ـ استقبال بيت المقدس :

ثم ماذا بعد هذا ؟ هاهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفاجئ بأمرآخر، قد يكون أشد على نفسه، من هجر مكة المكرمة، وكعبتها الشريفة... اذ أوحى اليه ربه ـ تعالى ـ أن ( استقبل في صلاتك بيت المقدس )... حول يامحمد وجهك في الصلاة، الى المسجد الأقصى عوضا عن الكعبة...

ذكرهذا التحول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ والجمهور، حيث قالوا :(أنه قد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر الى المدينة تعذرالجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه الى بيت المقدس ).

يا الله... هجرالوطن الحبيب... ثم صرف عن الكعبة الشريفة، واستقبال للمسجد الأقصى...

نعم يارسول الله... ان المعركة بين الكفر والايمان لم تنته بعد... واذن فلابد من امتحان المسلمين... واختباردرجة ثباتهم... بل، وما يدريك لعل الله، العليم، الخبير، يأبى الا أن تؤسس دولة الاسلام العظمى، الا في دارهجرتك يثرب... يثرب الأنصار، والمنعة... يثرب المسجد النبوي الشريف، مركز جمهورية الاسلام العظمى، الذي نبأ به عالم الغيب والشهادة حين قال ـ تعالى ـ :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِالأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الإسراء1، اذ ما بين( من ) الابتداء، و( الى) الانتهاء، أوالأقصى، يقتضي وجود مساجد أخرى، ولما لم يكن هناك مساجد زمن الاسراء، غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، تعين حمل الآية الكريمة، على المسجدلاخبارالغيبي عما سيحدث مستقبلا، فكان المسجد النبوي الشريف، الذي أسسه على التقوى، رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم هاجرالى المدينة المنورة... وانها لنعم الهجرة ... هجرة البناء، والاعداد...هجرة الفتح، والفتوحات، والانتصار...

أحباب محمد... ويزداد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرقة ... وحزنا... وتشتد لوعته... فيقول لجبريل ـ عليه السلام ـ :(وددت أن يصرف الله وجهي عن قبلة اليهود )... فيقول له جبريل ـ عليه السلام ـ :(انما أنا عبد، فادع ربك واسأله )...

واشتد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدعاء ....وظل يدعو ... ويدعو ... ويقلب وجهه في السماء... ويقلب ...

ـ تحويل القبلة :

وبعد ستة عشر شهرا ... أوسبعة عشرشهرا... وفي ليلة النصف من شهر شعبان الخير، من السنة الثانية للهجرة، على أشهر الأقوال ... وكما قيل أن يومها، صادف يوم الثلاثاء، ينزل جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومعه البشرى من الذي وسعت رحمته كل شيئ، وخفيت أسرارحكمه، وأحكامه، عن جميع خلقه، لترفع الهم عن الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتشرح صدره الشريف، اذ خاطبه ربه ـ سبحانه ـ قائلا:( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ{144} وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ{145}) ـ البقرة

لااله الاالله

ياصاحب الهم،ان الهم منفرج

ابشر بخير فان الفارج الله

اليأس يقطع أحيانا بصاحبـــه

لاتيأسن فان الكافي الله

اذا بليت،فثق بالله، وارض به

ان الذي يكشف البلوى هوالله

اليأس يقطع أحيانا بصاحبـــــه

لا تجزعن فان الصانع الله

الله يحدث بعد العسر ميسـرة

لا تيأسن فان الفا رج الله

والله مالك غيرالله من أحـــد

فحسبك الله، في كل لك الله

أحباب محمد، وفي تحويل القبلة المبارك، روى الامام البخاري ـ عليه سحائب الرحمة ـ في كتاب التفسير، عن البراء بن عازب، قال: (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب أن يوجه الى الكعبة، ثم قال : فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ رجل، ثم خرج بعد ما صلى، فمرعلى قوم من الأنصارفي صلاة العصريصلون، نحو بيت المقدس، فقال: هويشهد أنه صلى مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه توجه نحو الكعبة ، فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة ).

وجاء في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ :(... فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا ان القبلة قد حولت ، فمالوا كما هم نحو القبلة )

وفي موطأ الامام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ عن ابن دينار عن ابن عمرـ رضي الله عنهم ـ قال: (بينما الناس في صلاة الصبح بقباء، اذ جاءهم آت، فقال: ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أنزل عليه الليلة، وقد أمرأن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم الى الشام، فاستداروا الى الكعبة)

ـ محامل أحاديث تحويل القبلة:

وبناء على هذا، فان المتأمل في هذه الأحاديث، يرى أن ماقيل: (...من أن تحويل القبلة، حصل والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلاة الظهر، في مسجد بني سلمة بقباء، فاستداربعد أن صلى ركعتين من صلاة الظهر، واستدارمن كان معه)، خلاف ماصح في هذا الباب، اذ يقول فضيلة الشيخ ، المرحوم ، محمد الطاهربن عاشور، في تفسيره، التحريروالتنوير:(... ورواه ـ أي حديث الموطأ،السابق الذكرـ أيضا البخاري، ومسلم، من طريق مالك، ومن طريق عبد العزيز بن مسلم، وموسى بن عقبة، وفيه:

**أن نزول آية تحويل القبلة كان قبل صلاة الصبح.

**وأنه لم يكن في أثناء الصلاة .

** وأنه صلى الصبح للكعبة .

وهذا الحديث، هو أصل في هذا الباب، وهو فصل الخطاب)... ( وحمل ذكر صلاة الصبح في روايتي، ابن عمر، وأنس بن مالك، وذكر صلاة العصرفي رواية البراء، كل على أهل مكان مخصوص )...( وهذه الأحاديث الثلاثة هي الصحيحة، وأصحها، حديث الموطأ) ...(وهناك آثارأخرى تخالف هذه لم يصح سندها، ذكرها القرطبي ).

ـ صدى تحويل القبلة وآثاره:

وهكذا، اخوتي في الله ـ تغمرالفرحة قلب كل مسلم، وتهتز لها المدينة المنورة، بهجة، وسرورا، ويموت هنالك غيضا عبدة الطاغوت، وأولياء اللات، والعزى.... وأما هنا، فيعض اليهود، والمنافقون الأنامل حسدا، وحقدا، ويندبون ... ويلطمون ... ويشقون...تأ لما ...وتحسرا ...وحزنا...

وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اذ قال: (انهم لا يحسدوننا على شيئ، كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعن قولنا خلف الامام آمين ).

- الحقيقة الأزلية :

وتلك هي الحقيقة الأزليه، وان عاند المعاندون، وجادل المضلون، وعمي عنها الغافلون، حيث قال ـ سبحانه ـ :( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{106} أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{107} أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{108}) ـ البقرة

وقال ـ تبارك وتعالى ـ في حديثه القدسي الشريف، مخاطبا عباده في شخص نبيه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ألم تعلم يا محمد، أن لي ملك السماوات والأرضين، وسلطانهما، أحكم فيهما، وفيما فيهما، بما أشاء،وآمرفيهما وفيما فيهما بما أشاء وأنهى، عما أشاء، وأنسخ، وأبدل، واغيرمن أحكامي التي أحكم بها في عبادي، بما أشاء اذ أشاء، وأقر فيهما ما أشاء).

ولكن السفهاء، والضالين، والمغضوب عليهم، لايتورعون عن القول الاثيم، في الوحي المحمدي، ولايردعهم عن الاعتراض عما جاء به من تشاريع، أويصدهم عن الطعن فيما أتى به من أحكام، رادع من خلق أو دين، حسدا، وحقدا... مكابرة، وعنادا ...

ـ موقع آية،(سيقول السفهاء...)الاية:

هذا، وقد تساءل بعضهم...أوقد يتساءل، عن القبلة التي ورد ذكرها في قوله ـ تعالى ـ :{سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}البقرة142، أهي قبلة بيت المقدس؟...أم هي قبلة الكعبة الشريفة؟...هذا مانسأل الله تعالى ان يوفقنا لاستجلاء الأقرب الى الحق، من تفاسير شيوخنا الاجلاء، في بعض مجالس مؤانساتنا الوعظية ، ان شاء الله ـ تعالى ـ

ـ هدية المجلس، منزلة ليلة نصف شعبان، ويومها:

يقول الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه الله ، تعالى ـ في الفتاوى:(لم يرد في تعظيم ليلة النصف من شعبان بخصوصها، ويومها بخصوصه، شيء من صحيح السنة، أوعن أحد من أهل الصدرالأول، وانما الذي صح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحفظت رواياته، وتلقاه أهل العلم والتمحيص، بالقبول، انماهو فقط، شهرشعبان كله، لافرق بين ليلة وليلة، أويوم ويوم، وقد طلب فيه على وجه عام، الاكثار من العبادة، وعمل الخير، وطلب فيه ـ ايضا ـ الاكثار من الصوم، على وجه خاص، تدريبا للنفس على الصوم، واعدادا لاستقبال شهررمضان المعظم، حتى لايفاجأ الناس فيه بتغيرمألوفهم، فيشق عليهم، وقد سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟) فقال: (شعبان لتعظيم رمضان)، وتعظيم رمضان، انما يكون بحسن استقباله، وعدم التبرم به) ـ انتهى

ولكن... لما كان من الجائز شرعا، اعتماد الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، استحب العلماء الانصراف ليلتها الى الصلاة، وتلاوة القرءان الكريم، والدعاء، والضراعة الى الله ـ تبارك وتعالى ـ وكذا صيام يومها، شكرا، واحتسابا، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه ابن ماجة، بسند ضعيف، عن علي بن ابي طالب ـ كرم الله وجهه ـ ( اذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فان الله ينزل فيها لغروب الشمس الى سماء الدنيا، فيقول، ألا من مستغفر لي، فاغفرله، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى، فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا، حتى مطلع الفجر) .

هذا، وفي فضل لية النصف من شهرشعبان، وردت أحاديث كثيرة، قد اختلف في صحتها علماء الحديث، فضعفها الأكثرون، وصحح بعضها ابن حبان في صحيحه، فلتراجع في مضانها.

وأما عن البدع، التي الصقت بهذه الليلة، فجميعها لا أصل له، فالحذر منها واجب، والنهي عنها عبادة، ويكفي فيها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

ـ مراجع المجلس :

القرءان الكريم ـ الصحيحان ـ سنن ابن ماجة ـ تفسيرالتحريروالتنوير، لمحمد الطاهربن عاشورـ تفسير الطبري ـ مختصرتفسير ابن كثير، للصابوني ـ تفسير الخازن ـ تفسير أبي السعود، أوارشاد العقل السليم الى مزايا الكتاب الكريم ، تحقيق عبد القادراحمد عطا ـ لباب النقول في اسباب النزول، للسيوطي ـ أسباب النزول، لأبي الحسن علي النيسابوري ـ الناسخ والمنسوخ، لأبي القاسم هبة الله ابن سلامة أبي النصرـ الفتاوى، لمحمود شلتوت ـ الفتاوى الكبرى، لابن تيمية ـ الذخيرة للقرافي ـ بلغة السالك، للصاوي.

فاللهم قنا عذاب النار، واحشرنا صحبة المتقين الأطهار، وانقذ المسجد الأقصى من الدمار، وأعنا على تحرير فلسطين، وأيدنا بنصرك المبين، ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا أوأخطأنا، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، ومن والاه.

الأربعاء، 14 يوليو 2010

مؤانسات وعظية، المجلس الثالث:شعبان شهرالرسول ـ عليه السلام ـ



شعبان شهر الرسول ـ عليه السلام ـ
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

يا رب، صل على الحبيب محمد
واجعله شافعنا بفضلك في غـد
فلقد عرفتك ربي منعما متفضلا


ولذا دعوتك فاستجب لي سيدي




فاللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، ومتعة الشوق إلى لقائك، والقرب من مجلس حبيبك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ـ منزلة محمد ـ عليه السلام ـ عند الله، تعالى ـ
سبحانه، رفع منزلة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعظم شأنه، فقال ـ في الحديث القدسي الشريف ـ:(إذا ذكرت، ذكرت معي) وفي معنى هذا الحديث يقول ابن عطاء : أي، جعلت تمام الإيمان بذكري معك، وقال ـ أيضا ـ :أي : جعلتك ذكرا من ذكري ، فمن ذكرك ذكرني.
وقال قتادة:(رفع الله ذكره في الدنيا و الآخرة، فليس خطيب ولا متشهد، ولا صاحب صلاة، إلا يقول : (أشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله )... و قال جعفر بن محمد الصادق: (لا يذكرك أحد بالرسالة، إلا ذكرني بالربوبية )...
ومن ذكره معه ـ تعالى ـ أن قرن طاعته بطاعته ـ سبحانه ـ واسمه باسمه، إذ قال :( قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ{32}) ـ آل عمران...وقال عز من قائل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً{136}) ـ النساء.
وفي هاتين الآيتين الكريمتين، يقول القاضي عياض، في، الشفاء:(فجمع ـ سبحانه ـ بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه ـ عليه السلام ـ.
و إذن ...فلا غرو أن تكون صلاتنا عليه، شفاعة لنا يوم القيامة، كما أخبرنا هو بنفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ قال:(زينوا مجالسكم بالصلاة علي، فان صلاتكم علي، نور لكم يوم القيامة )
ـ شعبان ، شهر الرسول ـ عليه السلام ـ:
وفي شهر شعبان يقول يحيى بن معاذ ـ رحمه الله، تعالى ـ:(شعبان خمسة أحرف، يعطى بكل حرف للمؤمنين عطية، بالشين شفاعة، وبالعين العزة، وبالباء البر، وبالألف الألفة، وبالنون النور).
هذا هو شهر شعبان: شفاعة، عزة، بر، ألفة، نور... إنه شعبان الخير والبركات ... شعبان العطيات الإلهية ...شعبان الفيوضات، والنفحات ، والتجليات الربانية...
ولكن، ما كان لشهر شعبان أن تكون له مثل هذه المنزلة ...وهذا التفضيل ... لو لم يكن شهر الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقوله ـ عليه السلام ـ: ( رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ).
بل، ولأنه في لحظة من لحظاته المباركة، وفي ساعة من ساعاته الخيرة...تجلت فيها نفحات الرحمان...وأشرقت أنوار الجلال...وفاح الكون برائحة الجنان..وسبحت الكائنات بحمد خالقها الرحمان ... ودوى في سمع الزمان، النشيد الأزلي ... (الله اكبر كبيرا ... والحمد لله كثيرا ...وسبحان الله العظيم بكرة و أصيلا.لا الاه إلا الله ...محمد رسول الله )...
ـ الله ... ما الذي حدث...؟
ـ تقول وكالات الأنباء الإسلامية، التي تبث برامجها عبر إذاعات أسباب النزول...(أن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد أنعم في هذا الشهر المبارك على رسوله، محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإخبار عن شرف المكانة...ورفعة المقام...)
... وهاهو أمين وحي السماء، جبريل ـ عليه السلام ـ يشق السبع الطباق...ويتخطى صفوف الملائكة المتراصة بين الأرض والسماء...في طريقه إلى صاحب الرسالة العصماء، المبعوث رحمة للعالمين ... محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبشرا... تاليا:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً {56}) ـ الأحزاب .
الله ... ما هذا التشريف... وما هذا التكريم...
الله ـ جل جلاله ـ هو بذاته العلية يصلي على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله، القاهر فوق عباده ...يصلي على رسوله محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ
أية منزلة ـ بربكم بعد هذه المنزلة ... وأي تكريم بعد هذا التكريم ...
ـ تشريف آدم ـ عليه السلام ـ:
إن آدم عليه السلام ـ الذي اسجد الله ـ تعالى ـ له الملائكة، تحية وتكريما ...لم يبلغ هذه المنزلة... ولم يحظ بهذا المقام، وإنما أكرمه الحق ـ تبارك وتعالى ـ بشرف سجود ملائكته الأبرار له ...إذ أمرهم قائلا:( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ{34}) ـ البقرة...وقال ـ عز من قائل ـ:(ا ِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ{71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{72} فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ{73} إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ{74}) ـ ص، وأما نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالله ـ سبحانه ـ وهو في عليائه ... يصلي عليه... وكذا ملائكته الأطهار...
...وانه ـ لأعظم تشريف ...بل ولأنعم به من تكريم...
ـ معنى الصلاة من الله ـ تعالى ـ :
ومعنى صلاة الله ـ تبارك وتعالى ـ على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي، رحمته ... وثناؤه ...وبركته... كما هو مذهب أهل الحق ...أي:إنه ـ تعالى ـ يثني على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ملائتكه المقربين...
ـ معنى صلاة الملائكة ـ عليهم السلام ـ:
وأما معنى صلاة الملائكة على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستغفار...وثناء... ودعاء...
ـ الصلاة دائمة ومستمرة :
وإنها الصلاة دائمة...مستمرة...ورحمة متجددة...واستغفار متواصل..دونما انقطاع، أو فتور...ولذلك جاءت صيغة الصلاة في الآيـة الكريمة بصيغة المضارع الذي يفيد التجدد، والاستمرار دونما انقطاع، أو فتور...
(إن الله وملائكته يصلون على النبي....)الآية... هكذا بصيغة المضارع.
ـ الدعوة إلى الاقتداء :
...وفي الآية ـ أيضا ـ دعوة...ونداء...وحث على الاقتداء...(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
ـ معنى صلاة المؤمنين على النبي ـ عليه السلام ـ
والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إخوة ـ الإيمان ـ من المؤمنين، دعاء... أي: قولوا اللهم صل على محمد وسلم... صدَّقوا الله ورسوله واعملوا بشرعه... صلُّوا على رسول لله, وسلِّموا تسليمًا, تحية... وتعظيمًا له...وتشريفا...
ـ سؤال الشراكة في الخير:
أحبتي في الله ، ولما نزلت هذه الآية الكريمة :(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) قال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ:(يا رسول الله ما أنزل الله عليك خيرا إلا اشركناك فيه )...
وعلم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفيه الصدور، غرض الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ وأمانيه ... فينزل قرءانا يشفي به صدره ... وصدور الذين أحبوا الله ـ تعالى ـ وأحبوا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول فيه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً{41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{42} هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً{43} تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً{44}) ـ الأحزاب
ـ الرسول ـ عليه السلام ـ وسيلة كل خير:
وهكذا ... وبنزول هذه الآية الشريفة، يزيده ربه ـ سبحانه ـ فيجعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبب كل خير... ووسيلة كل بر، وبركة...وفي هذا يقول ابن عوف ـ رضي الله عنه ـ:(جئت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد خرج فأتبعته، فدخل حائطا من حيطان الأشراف، فصلى فسجد، فأطال السجود، فبكيت وقلت، قبض الله روحه)...ويمضي ابن عوف ـ رضي الله عنه ـ قائلا :(فرفع رأسه، فقال:(مالك.؟) فقلت: يا رسول الله، أطلت السجود، فقلت، قبض الله روح رسوله، لا أراه أبدا، قال:(سجدت شكرا لربي فيما أبلاني في أمتي، من صلى علي صلاة، من أمتي، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، فسجدت لله شكرا)
وهاهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخرج على أصحابه ذات يوم والبشرى ترى في وجهه الشريف، فيسألونه ـ رضي الله عنهم ـ:(يا رسول الله، إنا لنرى البشرى في وجهك .؟) فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(أتاني الملك، فقال: يا محمد، أما ترضى ما أحد من أمتك صلى عليك، إلا صليت عليه عشر صلوات، ولا سلم عليك أحد من أمتك إلا رددت عليه عشر مرات)
ـ صيغة الصلاة، على النبي ـ عليه السلام ـ:
ورجاء الفوز بخير الصلاة والسلام، على الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل الصحابي الجليل، بشر بن سعد ـ رضي الله عنه ـ:(كيف نصلي عليك يا رسول الله .؟) فيقول له ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ :(قولوا، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، انك حميد مجيد، والسلام كما علمتم)
*(والسلام كما علمتم) : أي، الذي تقولونه في صلواتكم، حال التشهد:(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته....)
هذا، وللصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صيغ أخرى يمكن الرجوع إليها في مضانها.
ـ الصلاة على النبي ـ عليه السلام ـ تذهب الهم:
وما إن سمع أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ بهذه الصيغة المباركة للصلاة والسلام، على حبيب القلوب محمد ـ صلى عليه وسلم ـ حتى اهتز فرحا، وقال بلسان صدوق:(يا رسول الله، أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك منها ؟)
فيقول له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ما شئت )
فيقول أبي ـ رضي الله عنه ـ :(الربع)
فيقول ـ عليه السلام ـ :(ما شئت، وان زدت فهو خير لك )
فيقول ـ رضي الله عنه ـ :(النصف)
فيقول له :(ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)
فيقول أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ :(يا رسول الله، أجعلها كلها لك)
فيقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(إذن، تكفى همك، ويغفر لك ذنبك )
فيالها من نعمة...الصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذهب الهم ... وتفرج الكرب... وتزيل الغم ...وتغفر الذنب...لا الاه إلا الله، محمد رسول، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله .
ـ لطيفة وعظية:
ومما يروى من اللطائف:(أن شخصا أجبره القاضي على دفع ما تخلد بذمته لأحد الأشخاص، ولأنه كان معدما... عاجزا عن تسديد الدين الذي عليه، أمر القاضي بسجنه، أو إحضار ضامن ...
ولما لم يجد المسكين ضامنا، سيق إلى السجن، وفي أثناء الطريق تذكر، فطلب من السجان أن يعود به إلى القاضي ...وحين وقف بين يديه، أخبره قائلا:(إني وجدت ضامنا) فقال له القاضي :
(فمن ذا يكون، يا ترى.؟) فقال له المسكين :(النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ).
وكانت المفاجأة...فأطرق القاضي يفكر... ويفكر، ثم قال: (نعم لهو أعظم كفيل... وأصدق ضامن. ..) ثم سأله:(لكم من يوم؟)، فقال: (لثلاثة أيام).........وأطلق القاضي سراحه .
وفي تلك الليلة، رأى المسكين رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في منامه، فقال له: (لقد ضمنت فيك، اذهب إلى فلان وقل له يقضي عنك دينك، و إذا لم يصدقك، فقل له، رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لك علامة صدقي، أنك تصلي علي كل ليلة مائة مرة قبل نومك)...
وذهب المدين إلى من أمره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحدثه ... وبعد أن سمع حديثه، فرح فرحا شديدا...فرح ببلوغ صلاته على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووصولها إليه ...وانطلق الرجل مع المدين إلى القاضي، وسلمه المال المطلوب...لكن الدائن لما علم حقيقة الأمر، تنازل عن حقه فيه ...أما صاحب المال فأقسم أن لا يسترجعه... فكبر القاضي، وكبر الحاضرون ... وقضى بالمال للمدين ).
وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ قال لأبي بن كعب:(إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك ).
ـ الله ـ تعالى ـ يؤمن :
وليس هذا فقط، بل هاهو أحد صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل، فيقول:(يا رسول الله، أرأيت قول الله ـ تعالى ـ:(إن الله وملائكته يصلون على النبي .....) الآية، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (هذا من العلم المكنون، ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به، إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قالا ذانك الملكان :غفر الله لك، وقال الله ـ تعالى ـ وملائكته، جوابا لذينك الملكين: آمين )
ـ مبلغو الصلاة والسلام :
هذا، ولتبليغ، و إيصال صلاة، وسلام المؤمنين، لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ملائكة كرام، برر، أخبر عنهم ـ عليه السلام ـ قائلا: ( إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني عن أمتي السلام ).
ـ أنت وجهدك:
وإذن، فأكثرـ أخي في الله ـ من الصلاة والسلام على حبيب القلوب ـ صلى الله عليه وسلم ـ و املأ فراغك بشذى عطرها، وزين مجلسك بنورها، لتكون من المقربين لحبيبك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهاهو ـ عليه السلام ـ يحثنا مرغبا فيقول:( من صلى علي، صلت عليه الملائكة، فليقل من ذلك، أو ليكثر).
ـ هدية المجلس : (الصيام في شهر شعبان )
تقول، أم المؤمنين، السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ:(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيته استكمل صيام شهر قط، إلا رمضان وما رأيته أكثر صوما منه في شعبان).
وكفى بهذا دليلا على استحباب الصوم في شهر شعبان، وأنه أفضل من صيام سواه، في مذهبنا المالكي .
هذا، وقد رجح طائفة من العلماء، منهم ابن المبارك، وغيره، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره.
ـ مراجع المجلس :
القرءان الكريم ـ تفسير التحرير والتنوير، لمحمد الطاهر بن عاشورـ مختصر تفسير ابن كثير، للصابوني ـ تفسير الجلالين ـ تفسير الخازن ـ لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي ـ فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للعسقلاني ـ صحيح مسلم، بشرح النووي ـ تنوير الحوالك، شرح موطأ الإمام مالك، للسيوطي ـ المستدرك على الصحيحين، للحاكم ـ سنن ابن ماجه ـ كتاب الشفاء، للقاضي عياض ـ رياض الصالحين، للنووي ـ تنبيه الغافلين، للنيسابوري ـ لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ، لزين الدين الحنبلي ـ مواهب الجليل، للحطاب ـ بلغة السالك، لأقرب المسالك، للصاوي ـ الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمان الجزيري........
ـ ملاحظة :
حديث :( شعبان شهر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ....) السابق ذكره ، حيث ضعيف يمكن الرجوع إليه في المجلس الثاني.
فاللهم، ارزقنا حبك وحب حبيبك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقبل صيامنا وقيامنا، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه.