الاثنين، 6 ديسمبر 2010

سجود السهو: صور من موجبات السجود القبلي


بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
فقه الصلاة على المذهب المالكي
سجود السهو
صور من موجبات السجود القبلي:

لموجبات السجود القبلي، وأسبابه، صور عديدة، وحالات مختلفة، تندرج كلها تحت ما سبق ذكره قريبا ضمن الضوابط، والأحكام الفقهيّة المتعلقة بالسجود القبلي، ومنها على سبيل المثال:
1/ نقص قراءة السورة:
قراءة السورة في الصلاة المفروضة، سنة مؤكدة، مستقلة، وذلك في الركعتين الأوليين، من كلّ صلاة، ويقوم مقامها قراءة آية ولو كــانت قصيرة كقــوله ـ تعـالى ـ : "مدهامتان" أو بعض آية طويلة كآية الكرسي مثلا، أو آية الدين.
فإذا ما ترك المصلي قراءة السورة سهوا في صلاة الفرض في ركعة واحدة  أو ركعتين ، سجد سجدتي السهو قبل  السلام، لنقصها، وأمّا نقصها في صلاة النافلة، فغير موجب للسجود.
2/ نقص الجهر عند قراءة السورة:
المقصود بنقص الجهر هنا، هو ترك الجهر سهوا، عند قراءة السورة في الركعتين الأوليين، من الصلاة الجهرية، حتى ولو كانت القراءة بأدنى السر، فإن ذلك موجب للسجود القبلي، وأمّا تركه في ركعة واحدة، سهوا، أو عمدا، فلا يترتب عليه شيء ومن سجد لأجله في هذه الصورة، بطلت صلاته، لأنّه زيادة في الصلاة غير مشروعة، بخلاف ما إذا لو كانت القراءة بأدنى الجهر فإنها غير موجبة للسجود، وأدنى الجهر بالنسبة للرجل أن يسمع نفسه ومن يليه إن أنصت له، وأقصاه لا حدّ له، وأمّا المرأة، فجهرها إسماع نفسها فقط، وسرها تحريك لسانها، واذن فلو اقتصرت المرأة في صلاتها الجهريّة، على تحريك لسانها فقط سجدت هي ـ أيضا ـ قبل السلام.
3/ نقص الجهر عند قراءة الفاتحة:
وأمّا ترك الجهر، سهوا، حين قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، فموجب للسجود القبلي، ولو كان ذلك في ركعة واحدة، لأنّه فيها سنّة مؤكدة، بخلاف الجهر بالسورة فإنه سنة خفيفة في كل ركعة.
4/ نقص جميع تكبيرات الصلاة:
المشهور في المذهب، أن جميع تكبيرات الصلاة، سنة مؤكدة، ما عدا تكبيرة الإحرام فإنّها فرض، أو تكبيرات صلاة العيدين، فكل واحدة منها سنة مؤكدة، مستقلة، وأمّا تكبيرات الصلوات الخمس فقد عدّ الفقهاء كلّ فرد منها سنّة خفيفة لا يترتب على ترك واحدة منها سهوا، سجود قبلي، ولكن تبطل الصلاة بالسجود لتركها عمدا، أو جهلا، بخلاف ترك تكبيرتين فأكثر، سهوا، فإنه موجب للسجود قبل السلام.
5/ نقص تكبيرة من تكبيرات صلاة العيدين:
وكذا يترتب السجود القبلي عن نقص تكبيرة واحدة، أو أكثر، من تكبيرات صلاتي العيدين، إذا ما فات محل تداركها، بالانحناء للركوع، وذلك أنّ الرجوع للإتيان بالتكبير المسهو عنه بعد الانحناء لركوع الركعة التي حصل فيها السهو، مبطل للصلاة.
6/ نقص جميع تسميعات الصلاة:
ومما عليه المذهب ـ أيضا ـ أنّ جميع تسميعات الصلاة سنة مؤكدة، لها من الأحكام ما لجميع تكبيرات الصلاة، حيث لا يترتب السجود القبلي عن ترك تسميعة واحدة، باعتبارها سنة خفيفة، ومن سجد لنقصها قبل السلام، بطلت صلاته، جاهلا كان، أو متعمدا، بخلاف نقص تسميعتين سهوا، فإنّه موجب للسجود القبلي.
7/ إبدال التكبير بالتسميع:
وممّا يوجب السجود القبلي، إبدال التكبير بالتسميع، أو التسميع بالتكبير، وذلك إذا حصل في محلين فأكثر من الصلاة، لأنّه نقص ترتب بسبب إبدال ما شرع في موضعه لمحله بغير ما شرع له، ولذلك فإنّ من قال سمع الله لمن حمده، عند الهوي للركوع، وقال الله أكبر، عند الرفع منه، سهوا، طولب بجبر النقص الحاصل في المحلين بسبب تغيير ما تعبّد الله، تبارك وتعالى ـ به عباده.
8/ نقص سنتين خفيفتين:
وكذا، في الحكم  نقص سنتين خفيفتين، داخلتين في الصلاة، سهوا، كتكبيرتين،  أو تسميعتين، أو تكبيرة وتسميعة، فإن كل ذلك موجب للسجود القبلي.
9/ نقص التشهد الأوّل:
التشهد الأوّل، على القول المعتمد في المذهب، سنة مؤكدة، مستقلة، في جميع الصلوات ـ فرضا كانت الصلاة أو نفلا، بل ولو كـــان سجود سهو، وذلك في حق الإمام، والفذ والمأموم، إلا أنه قد يسقط الطلب به في حق المأموم، وذلك إذا نسيه حتى قام الإمام إلى الركعة الثالثة، وحينئذ عليه أن يقوم ولا يتشهد، وبناء على هذا، فترك التشهد الأوّل سهوا، موجب للسجود القبلي، وإن جلس الساهي له، ولم يتشهد، على المعتمد  من المذهب.
هــذا، ودعاء التشهد في الصلاة، يحصل بمطلق التشهد في مذهبنا، سواء كان دعاء التشهد الوارد عن ابن مسعود، أو كان دعاء التشهد الوارد عن ابن عباس، أو عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم ـ أجمعين، إلا أن مرضي الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ هو اللفظ الوارد عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لأنه هو الذي علّمه له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يعلّمه للناس من أعلى المنبر، ولفظه: 
"التحيّات لله، الزّاكيات لله، الطيّبات، الصلوات لله، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد  أنّ محمدا عبده ورسوله".
ولبعضهم أنّ خصوص التشهد به سنة، والله أعلم، وأنّه مشتمل على سنتين، ذاته سنّة، وكونه باللفظ الخاص سنّة أخرى.
10/ نقص التشهد الأخير:
وكذلك التشهد الأخير، فالمشهور، أنه سنة مؤكدة، مستقلة، خلافا لمن قال بوجوبه، وذلك في حق الإمام، و الفذ، والمأموم، إلا أن المأموم إذا نسيه حتى سلّم الإمام، تشهد، سواء تذكر قبل انصراف الإمام عن محله، أو بعد انصرافه عن محله، خلافا لمن قال، يسلم ولا يتشهد إن تذكر بعد انصراف الإمام عن محله.
وبناء على هذا، فترك التشهد الأخير سهوا، موجب أيضا للسجود القبلي، فذا كان الساهي، أو إماما أو مأموما.
11/ نقص التشهد دون الجلوس له:
الجلوس لكل من التشهدين ـ كما ذكر آنفا ـ سنة من السنن الثمان المؤكدة، وقد لا يتصور تركه، إذ لا يعقل الإتيان بدعاء التشهد من غير جلوس، ولكن الذي يمكن قوله : هو أنّه يلزم من تركه ترك التشهد باعتباره ظرفا له، ومن هنا كان ترك الجلوس للتشهد ولو مرّة، موجب للسجود القبلي على المعتمد.
12/ نقص تشهدين في صلاة واحدة:
قد لا يتصورـ بعضهم ـ سجودا قبليا لنقص تشهدين في صلاة واحدة، لأنّ السجود قبل السلام لترك التشهدين يتضمّن، تذكر التشهد الأخير، بل هو سبب لتذكره، ومتى تذكره الساهي، فعله، إلا أن الفقهاء افترضوا حصول السهو عن تشهدين في صلاة واحدة، وذلك في اجتماع البناء والقضاء، في المسألة الملقبة بأم التشهدات، وذات الجناحين، والتي حاصلها: فيما إذا أدرك المسبوق مع الإمام الركعة الثانيّة، ثمّ فاتته الركعة الثالثة والرابعة، لرعاف، فإنّه بعد غسل الدم يعود لإتمام صلاته، فيأتي بالركعة الثالثة، بالفاتحة فقط، ثمّ يجلس للتشهد، لأنّها ثانية نفسه، ثمّ يأتي بالركعة الرابعة كذلك بالفاتحة فقط، ثمّ يجلس للتشهد، لأنّها آخرة الإمام، ثمّ يقضي الركعة الأولى، بالفاتحة والسورة، ثمّ يجلس للتشهد، ثمّ يسلم، وإذن ففي هذه الصلاة، قد اجتمع أربعة تشهدات، وكل واحد منها سنة مؤكدة، فلو سها المصلى عن تشهدين من هذه التشهدات، أمر بالسجود للسهو قبل السلام.
13/ نقص وزيادة معا:
وممّا يترتب عليه السجود قبل السلام، نقص سنة من سنن الصلاة، مؤكدة كانت أو خفيفة، مع زيادة فرض فعلي، أو قولي، من فرائض الصلاة، وذلك كمن نقّص تكبيرة، وقام لركعة خامسة، مثلا، أو نقّص السورة وقرأ الفاتحة مرتين، في ركعة واحدة، أو حصل هذا النقص في ركعة، والزيادة في ركعة أخرى، وكذا في الحكم، لو كانت الزيادة فعلا أو قولا خارجا عن الصلاة، وكان النقص إحدى سننها المؤكدة أو الخفيفة، وهكذا يقاس على هذا كل مشابه، ونظير.
14/ نقص الموجب وعدم ضبط السبب:
وكذا يترتب السجود القبلي، عند تيقن حصول الموجب لسجود السهو، والشك فيما حصل، هل هو زيادة في الصلاة، أو هو نقص سنة من سننها المؤكدة، وذلك كمن شك هل زاد ركعة أو نقّص سنّة، فإنه يغلب النقص على الزيادة، ويسجد قبل السـلام.
/15 نقص الفاتحة:
ومن موجبات السجود القبلي، ترك قراءة الفاتحة، أو ترك آية منها، أو بعض آية، في ركعة واحدة من ركعات الصلاة سهوا، عدا الصلاة الثنائية الركعات، على ما شهره الفاكهاني، وذلك مراعاة لقول القائلين بسنيتها في أقل الصلاة، ووجوبها في الجل، ولكن المستحب إعادة الصلاة في الوقت وخارجه، على المعتمد من المذهب، وأما لو تركها سهوا في أكثر من ركعة، أو في ركعة من صلاة الصبح، تمادى على صلاته دون قطع، وقبل السلام منها، سجد سجدتي السهو، ثم أعادها وجوبا.
16/ الشك في نوع السجود للسهو:
ومما يوجب السجود القبلي، شك المصلي في نوع السجود المترتب عليه، أقبلي هو أم بعدي، وحينئذ عليه أن يجعله قبليا، على الظاهر من الأقوال.
والله اعلم ، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى وآله، وصحبه، ومن والاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق