الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

سجود السهو: تعريفه


بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
فقه الصلاة على المذهب المالكي
سجود السهو
وجه تسميته :
   هكذا سماه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين  قال: "لكل سهو سجدتان" وهو كذلك عند الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وعند السلف الصالح من التابعين، وفقهاء الأمة، عليهم سحائب الرحمة ـ إلى يوم الناس هذا.
   وإنّه لباق على ما عرف به ووضع له، جبر لنقص سنّة من السنن المؤكدة سهوا، أو ترغيم لأنف الشيطان، لأجل زيادة غير متعمدة إذ الساهي تارك لشيء من صلاته، أو مزيد فيها ما لم يأذن به الشرع، بل وقد يسهو فينقص منها ويزيد عليها في آن، أو يشك فيما فعل فيها، هل نقص أو زاد، فتكون الحيرة، ويكون السجود للسهو هو ذاك المخرج، والشفاء.
   فسبحان المشرع الرحيم، العليم بدخائل النفوس، ودوائها، الذي " أوحى إلى عبده ما أوحى" والقائل آمرا : "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".

تعريفه فقهيّا:
   سجود السهو، كما عرفه الفقهاء، هو: سجدتان، بنيّة، يكبّر للخفض لهما، وفي الرفع منهما، ويتشهد بعدهما، بدون دعاء، وصلاة على النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكرر موجب السجود أو لم يتكرر، من نوع واحد كان تكرّره، أولا، وسواء كان موجب السجود محققا أو مشكوكا فيه، أو كان بعضه محققا والآخر محل شك، ولبس.

أنـــواعه:
   المشهور الذي مشى عليه مصنفو الفقه  المالكي، واعتمدوه في الفتوى،  أن سجود السهو نوعان :
النوع الأوّل: سجود قبلي.
النوع الثاني: سجود بعدي.
   وهذا التنويع ـ كما قيل، هو مرضي الإمام مالك ـ رضي الله عنه، بيد أنّ المذهب حفل بغير هذا القول، ليشمل قول بعضهم بأنه : قبلي مطلقا، وقول آخرين بأنّه : بعدي مطلقا، ورابع الأقوال، أنّه : على التخيير، إلاّ أنّ دليل الإمام مالك ـ رحمه الله، تعالى ـ كان أقوى في الدلالة على النوعين المذكورين، كما سنرى قريبا إن شاء الله، تعالى ـ.
   وعلى كل، فبناء على ما قيل، فإنّه لو خالف المصلي، فقدّم البعدي وأخّر القبلي، صح سجوده ، مراعاة لهذا الخلاف، لكن يحرم تعمّد تقديم البعدي، ويكره تأخير القبلي، على المشهور من المذهب، وكذا يصحّ السجود لو خالف المأموم إمامه، فقدم ما أخر، وأخر ما قدم ما لم يكن مسبوقا، إلا أنّهم اختلفوا فيما لو أخر الإمام القبلي، فهل يقدمه المأموم ولا يؤخره تبعا لإمامه، أو يؤخره تبعا له، قولان في المسألة.

دليل مشروعيته:
   دليل مشروعية سجود السهو، في الصلاة المفروضة أو صلاة النافلة، هو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" لكل سهو سجدتان".

دليل السجود القبلي:
   وفي السجود القبلي، روى الشيخان، أن عبد الله  بن بحينة ـ رضي الله عنه ـ قال : "صلى لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركعتين من بعض الصلوات، ثمّ قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته، ونظرنا تسليمه، كبّر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس، ثمّ سلّم."

   وعنه ـ رضي الله عنه ـ فيما أخرجه النسائي، أنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ "قام في الصلاة وعليه جلوس، فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم"
   وله ـ رضي الله عنه ـ في رواية أخرى: " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قام من اثنتين ولم يجلس، فلمّا قضى صلاته، سجد سجدتين قبل السلام".

دليل السجود البعدي:
   وفيه روى الشيخان، أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : " صلى بنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الظهر ركعتين، ثم سلّم، ثم قام إلى خشبة في مقدّم المسجد ووضع يده عليها، وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا : قصرت الصلاة، وفي القوم رجل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوه، ذا اليدين، فقال، يا نبيّ الله ! أنسيت أم قصرت؟ فقال : "لم أنس ولم تقصر"، قالوا : بل نسيت يا رسول الله ! قال: " صدق ذو اليدين" فقام فصلى ركعتين ثمّ سلّم، ثمّ كبّر فسجد مثل سجوده، أو أطول، ثمّ رفع رأسه وكبّر، ثمّ وضع مثل سجوده، أو أطول، ثمّ رفع رأسه وكبّر".

   وروي في الموطأ، عن أبي هريرة ـ أيضا ـ رضي الله عنه، أنّه قال : " صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة العصر، فسلّم من ركعتين، فقام ذو اليدين، فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله، أم نسيت ! فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: "كل ذلك لم يكن" فقال: " قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الناس، فقال: "أصدق ذو اليدين" ! فقالوا: نعم، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فأتم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين بعد التسليم، وهو جالس".
دليل السجود للنقص والزيادة معـا:
   وفي اجتماع النقص والزيادة في الصلاة،  سهوا، روي في الموطأ، أنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ "صلى بهم الظهر، فقام من ركعتين من غير  جلوس للتشهد، فقام الناس معه، حتى إذا قضى صلاته، وانتظر الناس تسليمه، كبّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثمّ سلّم، ثمّ غلب النقص على الزيادة عند اجتماعهما".
   هذا، وقد قرأت للشيخ الشنقيطي، ـ جزاه الله خيرا ـ في كتابه، العرف الناشر في شرح وأدلة فقه متن ابن عاشر، في الفقه المالكي، قوله: قال الغماري ـ رحمه الله تعالى ـ فائدة : ورد حديث صحيح في التفريق بين سجدتي السهو للنقص والزيادة كما هو المذهب، أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ :" أنّ النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ سها قبل التمام، فسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم، وقال :"من سها قبل التمام سجد سجدتي السهو قبل أن يسلم، وإن سها بعد التمام سجد سجدتي السهو بعد أن يسلّم".
   وكفى بهذا، الإمام مالك ـ رحمه الله ـ تعالى ـ حجّة للتدليل على ما ارتضاه مذهبا.
حكمـــه:
   سجود السهو في الصلاة المفروضة، أو صلاة النافلة، قبليا كان أو بعديا، سنة على المشهور، وحكى ابن عرفة وابن الحاجب، قولا بوجوبه، وإذن ففي كل من السجود القبلي والبعدي، قولان، بالسنيّة والوجوب،  وقيل بوجوب السجود القبلي، إذا ترتب عن نقص ثلاث سنن خفيفة، وأمّا إذا ترتب عن نقص سنتين خفيفتين، فسنّة.

المأمــور به:
   سجود السهو، مأمور به، الإمام، والفذ ولو حكما، كالمسبوق الذي قام يقضي ما فاته بعد سلام إمـامه، واذن، فمتى ترتب على أحد من هؤلاء سجود للسهو، سجده، إن قبليا فقبليا، وإن بعديا فبعديا، بيد أن المسبوق إذا ترتب على إمامه سجود قبلي سجده معه، وأما السجود البعدي فإنه يؤخره إلى انقضاء صلاته، فإذا سلم منها، سجده.
ومعنى هذا فان الماموم حال الاقتداء بالامام , لوتعمد تـرك السنن كلها, اوبعضها, اوترك قراءة الفاتحة, سهوا, اوعمـدا, فـانه لايسجد سجود السهوابدا, لحمل الامام عنه ذلك كله, بخلاف الفرائَض فانه لايحملها عنه.

منزلـتــه:
   تتمثل منزلة السجود للسهو، في أنه أمر تعبدي، لا تبرأ الذمة إلاّ بالإتيان به حيث لا يكفي للخروج من العهدة إعادة الصلاة التي حصل فيها السهو، ذلك أنّ التقرّب إلى الله تعالى بالصلاة المجبورة أفضل من إبطالها وإعــادتها، إذ أنّ ذلك هو منهاجه، ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وكما قيل : (الخير كلّه في الإتباع والشرّ  كلّه في الابتداع)، وحينئذ فإنّ من ترتب عليه سجود سهو فأعرض عنه وأعاد الصلاة لم تجزه تلك الإعادة عن ذلك السجود لترتبه في ذمته، بل لابدّ من الإتيان به بعد إعادتها.
والله اعلم ، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى وآله، وصحبه، ومن والاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق