الأربعاء، 4 أغسطس 2010



مؤانسات وعظية، المجلس الخامس: ضيف، ضيوف الرحمان
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
يارب
رضاك خيرمن الدنيا  ومافيها
يامالك النفس قاصيها ودانيها
فليس  للـروح آمــال تحققــها
سوىرضاك فذااقصى  أمانيها
فنظرة  منك ياسؤلي  وياأملي
أشهى الي  من  الدنيا ومافيها
اخوة الايمان
رمضان أقبل من هناك، وما ادراك ماهناك،حيث لاهناك، هناك... أقبل يسعى، يحث الخطى بأمر فالق الحب والنوى...
رمضان أقبل، يخترق الطباق... يشق الفضاء...
على جناح الرياح...  يمطتي السحاب... يعبر البحار... يتخطى الامواج... يمخر العباب... يجوب الصحاري... يصعد الجبال... يتابع السهول... يعتلي الهضاب...
رمضان أقبل، يطوي المسافات...يعمر المرابع... يؤم المساكن ... يطرق الابواب...
رمضان أقبل ، يعانق الاغصان ... يداعب الازهار... يلاطف الريحان ... بسبح الوهاب...
رمضان أقبل، يرسل النفحاب ...ينثر الا لطاف...  يطهرالاجسام...  ينير الا لباب...  يجب الذنوب...
رمضان أقبل، يضيئ الوجود... يسرج الكون... يؤذن... ينادي... أنا شهرالرحمات... أنا شهرالغفران... أنا شهرالتقوى... أناشهر القرءان...  أنا ضيف ضيوف الرحمان...
ـ ضيوف الرحمان:
ويحرص حبيب القلوب، محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ألاتفوت هذه الفرصة أمته، فيناديهم مرغبا: (أيها الناس، قد أقبل اليكم شهرالله با لبركة، والرحمة، والمغفرة، وهو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الرحمان، أنفاسكم فيه تسبيح، وقولكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه).
ما أرحمك، وما أنصحك، ياحبيبي، يارسول الله، يا محمد... لقد أنرت لنا مسالك الجنة، وجسورها، وأرشدتنا الى مفاتيح أبوابها، وهد يتنا الى آداب ضيافة الرحمان وشعائرها...
أنفاس الصائمين، تسبيح، وأقوالهم عبادة، وعملهم مقبول، ودعاؤهم مستجاب...
حقا يارسول الله... فلما كان ذلك كذلك ... وكان هذا هوشهررمضان المعظم... (رمضان الخير... والرحمة... والمغفرة... والهبات...) كان  حريا بالعاقل، أن يسأل ربه ـ تعالى ـ أن يوفقه لصيامه، وتلاوة كتابه، وأن يغتنم فرصة اللقاء، قبل فوات الاوان... والا فالندم، الندم... والحسرة، الحسرة... يوم لاينفع ندم، أوحسرة...
ـ  زاد العودة:
وتأمل ـ معي ـ أخ الاسلام، قوله تعالى:( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{59} وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ{60} ـ الزمر.
ولنقرأ بتدبرـ ايضا ـ قول الحق ـ سبحانه ـ :( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً{21} وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً{22} وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى{23} يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{24} فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ{25} وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ{26}    يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30} ـ الفجر.
فهل ترى ـ أخي ـ بعدهذا من حجة، على الله ـ عزوجل ـ للعصاة المصرين على اقتراف المعاصي، والذنوب، والمستهترين بما تعبد نا الله، وقد أضاعوافرص التوبة، وماتوا وهم مذنبون.؟... وعن طاعته ـ سبحانه ـ غافلون.؟...
ان شهر رمضان الكريم لمن أثمن فرص العمر، وأعزها قلوب المؤمنين، وقد لاتتجدد بعد هذا اللقاء، وهذا الرحيل، اذ قد لايسعف العمراحدنا لاستقباله أبدا... وقد يعود رمضان  فلايجدنا مع المستقبلين.
فتزد أخي زاد العودة قبل الرحيل ... نعم...
تزود من التقوى، فانك لاتــدري
اذا جن ليل هل تعيش الى الفــجر
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا
وقد نسجت أكفانه وهو لايــدري
وكم من عروس زينوها لزوجــها
وقد قبضت أرواحهم ليلة القــدر
وكم من صغاريرتجى طول عمرهـم
وقدأدخلت أجسادهم ظلمةالقبــر
وكم من صحيح مات من غيرعلــة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
ـ الاعداد والتهيئة:
اخوة الايمان... ولكي يكون شهر رمضان المعظم، واحة روحية، تستريح النفس تحت ظلالها من عناءالشهور، وأتراحها... وحتى يكون شهررمضان الكريم، نبع روحي، تطفىء الروح ظمأها من فيضه الآسن، الزلال... بل وليكون شهر رمضان القرءان المجيد، مصحة استشفائية ربانية، لايغادرها الانسان، الا وهو زكي القلب، سليم الجسم... هيأ الله ـ سبحانه وتعالى ـ لعباده الصائمين،أسباب الفوزبشهادة الرضاء، ووسام العبورلجنة النعيم... حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (اذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد : ياباغي الشرأقصر، وياباغي الخيرأقبل، ولله عتقاء من النارفي كل ليلة).
ـ صفد الشياطين :
نعم، تصفد الشياطين ، وتغل مردة الجن، حتى لاتفسد على الصائمين صيامهم، وقيامهم، وتلاوة كتاب ربهم، طيلة شهررمضان المبارك... وانه للمدد الالهي والكرم الرباني... الشياطين ... ومردة الجن... في شهرالقرءان الكريم، تمنع من الوسوسة... والايحاء... وتزيين الشر... انها تشل، وتوضع تحت الاقامة الجبرية، الا لاهية، فتتوقف حركتها، ويتعطل نشاطها، الى أن تنسلخ ليالي نفحات الشهر المعظم، وتنقضي أيامه، العطرة... الشذية.
وأما ما يرى من انحراف بعض الصائمين، عن خلق الصائم الأمين، وما يصدرعنهم من أحوال تتنافى وحقيقة الصيام، فانها ـ في رأيي ـ  ليست من وسوسة الشياطين، أومردة الجن... والافما جدوى من صفدها، وشد وثاقها... وانما مصدرها... ومرجعها نفس الانسان ... وهواه... وشياطين الانس... ولعل هذه القوى، هي الثالوث الاخطرعلى الانسان في هذه الحياة   ـ والله اعلم ـ .
هذا، وللأمانة العلمية، أرى لزاما علي، أن أنقل عن الشيخ ميارة ـ في هذا المقام ـ مارواه في كتابه، القيم، الدرالثمين والمورد المعين، عن أبي الحسن القابسي،  حيث قال :(قوله ـ عليه السلام ـ :(صفدت الشياطين): مع مايوجد من الوسوسة، والعصيان في رمضان... بأن الشيطان قد يوسوس وهو مصفد)، وقال: ( ويحتمل أن يريد بالشياطين، كفرة الجن، وهم الذين يسمون الشياطين، والمؤمنون من الجن لايصفدون، فيكون الوسواس، وتزيين المعاصي، انما يقع من فساق مؤمني الجن، فتعد من معاصي مؤمنيهم، ويدل لهذا تخصيص الصفد بالشياطين، ولم يقل، وصفدت الجن) .
واني  أكاد اعتقد، أن هذا تأويل، تضيع معه الحكمة من صفد هم، اذلافائدة مرجوة منه، دون شل قدراتهم عن الوسوسة، وتزيين الشر، والايحاء، الذي هوجوهرطبيعة علاقتهم ببني آدم، ومهمتهم التي حذرمنها القرءان الكريم، وبينتها صحاح السنة الشريفة.
ولكن الشيخ القابسي ـ بعد ذلك ـ يقول:(والاولى، الوقف... وأن نقول: لاعلم لنا، اذقد يحتمل أن يكون المعنى غيرما قلناه، ماهو خير وأحسن مما تأولناه). انتهى... ومع هذا ـ فاني أحسب ـ ايضا ـ أنه قد يكون التأويل خا طئا،  وقد يحتمل الصواب، وفي كل خير، ان شاء الله ـ تعالى ـ .
 ـ غلقت أبواب النار، وفتحت أبواب الجنة:
وبناء على هذا، تكون جميع الطرق الموصلة الى أبواب النار، قد قطعت، وكل المنافذ قد سدت، وحيل بينها وبين مفاتيحها، ولم يبق على الانسان ـ حينئذ ـ الاأن لا يفتح على نفسه، أي باب من هذه الابواب... وكيف يتصورذلك... وهوالذي امسك عن الشر، وأقبل على الخير، وصام رمضان، ايمانا واحتسابا... والا فأبواب النارمغلقة أبدا، وأبواب الجنة، مفتوحة منذ أن خلقها خالقها، القائل في قرءانه المجيد:( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ{71} قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ{72} وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ{73} وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{74} ـ الزمر.
وفي هذا المعنى،يقول الشيخ، محمد الطاهربن عاشور، في تفسيره التحرير والتنوير:(...وجملة:(فتحت) ـ المذكورة في آية:(وسيق الذين كفروا...) جواب (اذا) لأنها ضمنت معنى الشرط، وأغنى ذكر(اذا) عن الاتيان، بـ (لما) التوقيتية، والتقدير: فلما جاءوها، فتحت أبوابها، أي، وكانت مغلقة لتفتح في وجوههم حين مجيئهم فجأة، تهويلا، ورعبا... ثم قال :(... والواو،في الاية التي بعدها: (وفتحت ابوابها)، واو الحال، أي، حين جاءوها وقدفتحت ابوابها، فوجدوا الابواب مفتوحة على ماهو الشأن في اقتبال اهل الكرامة)،( وقد وهم في هذه الواو بعض النحاة... فزعموا انها ـ واوـ تدخل على ماهو ثامن...). انتهى
وهكذا ـ اخوة الايمان ـ  يتجدد اللقاء كل عام مع شهر رمضان القرءان الكريم، رمضان          الرحمة، والمغفرة، والانابة... كي تتزكى النفس ... وتتطهرالروح... ويستريح المؤمن الصائم، من عناء شهور، أنهكها صخب الحياة، وأرهقتها المادية بطلباتها، فيرتقي   من عالم الغرائز، الدنيا، والشهوات الحيوانية، الى عالم الصفاءالروحي، عالم الملائكة الابرار...
ـ العتق من النار:           
فاذا هو عتيق نار، ( أوقدها الحق ـ سبحانه ـ الف سنة حتى ابيضت، ثم أوقدها الف سنة حتى احمرت، ثم أوقدها الف سنة حتى اسودت، وهاهي الان سوداء، مظلمة)، وتأبى الاأن يكون الناس والحجارة لها وقودا وحطبا، حيث قال ـ تعالى ـ محذرا،:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ـ التحريم:6... فأين ناردنيانا، التي لاتساوي سوى جزء من سبعين جزء من هذه النارالتي أعدها العدل، الحكيم، لمن ضل وكفر، وتمرد وأصر، حتى فاجأه هادم اللذات، وقهره قاهرالطغاة... وحيث لامفر... فلامفر... وانما الى ربك يومئذ المستقر...
ولكنه ـ سبحانه ـ يتجلى لعباده ، بكريم لطفه، وعظيم عفوه، فيجعل لهم في أيام الدهرنفحات ، وعلى طريق الحياة محطاة... وما على العابر الرشيد الأ أن يتزود... ولا ألذ من التقوى زادا... ولا أسنح وقتا، ولاأطيب محطة، ولاأزكى نفحة، من شهررمضان المعظم، اذقال ـ تعالى ـ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ـ البقرة:183، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(شهررمضان ، أوله رحمة، واوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) ، وقال ـ عليه السلام ـ:( ان الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه ايمانا، واحتسابا، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، ويقول ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ :( ان لله في كل ليلة من رمضان، سبعمائة عتيق من النار، الامن اغتاب مسلما، أوأذاه، أوشرب خمرا، أوأفطرعلى حرام).
ـ نصيب الأمة المحمدية:
وأما عن نصيب امة الحمد، من النفحات التي تكرم بها اللطيف، الرحيم ـ جل جلاله ـ فها هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه احمد، والبيهقي، يبشرها قائلا ـ : (أعطيت أمتي في شهررمضان، خمسا لم يعطهن نبي قبلي، أما الاولى: فانه اذاكانت أول ليلة منه نظرالله اليهم، ومن نظر الله اليه لايعذبه، وأما الثانية: فان الملائكة تستغفرلهم كل يوم وليلة، واما الثالثة: فان الله يأمرجنته، ويقول لها تزيني لعبادي الصائمين، يوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا الى داري وكرامتي، وأما الرابعة: فانهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الخامسة: فانه اذا كانت آخر ليلة منه ، غفر الله لهم جميعا)، قيل: أهي ليلة القدر يارسول الله .؟ قال: (لا، ولكن العمال اذا قضوا اعمالهم، وفوا اجورهم).  
وأخيرا ـ أيها الاحبة ـ أولستم معي، في أن شهر رمضان المعظم، شهربناء النفس، وتجديد العهد... فلنتدبرقوله ـ تعالى ـ: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} ـ الحج32.
ـ هدية المجلس:
قيل للأحنف بن قيس ـ وكان يصوم الدهر ـ : لم تصوم الدهر وأنت شيخ كبير، ضعيف، والصوم يزيدك ضعفا.؟ فقال:(اني أصوم الدهر لأني سألت ستة عقلاء عن ستة أشياء، فكان جوابهم جميعا، الجوع.
** سألت الأطباء عن أنجع الأدوية وأمثلها، فكان جوابهم، الجوع.
** وسألت الحكماء عن أفضل الأشياء في باب الحكمة، فقالوا: الجوع.
** وسألت العلماء عن أفضل الأشياء في حفظ العلم، فقالوا: الجوع.
** وسألت العباد عن أنفع الأشياء في العبادة، فقالوا: الجوع.
** وسألت الزهاد عن أقوى الأشياء في الزهادة، فقالوا: الجوع.
** وسألت الملوك عن ألذ الطعام، فقالوا: الذي يكون بعد الجوع.
فلذا احببت صوم الدهر، فاني أدخره لسفرطويل، والصبرعلى طاعة الله أهون من الصبر على عذابه).
فاللهم لاتحرمنا ثواب الصائمين، وأجرالقائمين، وجزاءالتالين لكتابك الكريم، واجعل اللهم شهررمضان، شهرالنصر، والعزة، والفتح المبين، ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا أوأخطأنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسول الله، وعلى آله، ومن والاه.



مسالة فقهية، رقم:2
في فقه الصيام، على المذهب المالكي
أركان الصـــــــــــــــوم
للصيام في مذهبنا المالكي، ركنان:
الركن الاول النية : والأظهر، أنها شرط صحة، في كل صوم... واجبا كان الصوم، أوتطوعا، معينا، كان أوغيرمعين... واعتبارها ركنا من أركان الصيام، فذلك تسامح، من فقهاء مذهبنا، ذلك أن الركن هو ماكان داخلا في ماهية الشيء، وأما الشرط فهوالخارج عن الماهية، فدخول وقت الصلاة ـ مثلا ـ شرط من شروط  صحتها، وأما تكبيرة الاحرام، ونحوها، فركن من أركان الصلاة، لأنها تمثل ماهيتها، وجوهرها.
ودليل شرطيتها، قوله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } ـ الحج:37.. أي، لايرفعان اليه، ولكن الذي يرفع اليه منكم، العمل الصالح الخالص له مع الايمان...  
هذا، وقد يعترض أحدهم، فيقول : انما الصوم، ترك، وكف، وليس بعمل...؟ والجواب: هوأن الكف، أوالترك،في حقيقته، عمل، حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ راويا عن ربه ـ تعالى ـ :(كل عمل ابن آدم له، الاالصوم، فانه لي، وأنا أجزي به)...  
ومن أدلة شرط النية ـ ايضا ـ قوله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(انما الاعمال بالنيات) ـ متفق عليه...
وأما صفتها، فتتحقق، بان ينوي الصائم، الصوم الفعل، وان أضاف لذلك نية التقرب الى الله ـ تعالى ـ بأداء ماافترض عليه، فحسن، ان شاء الله ـ تعالى ـ ومحل النية، القلب، وتحريك اللسان بها، جائز، وأما رفع الصوت بها فبدعة منكرة.
وشرط صحة النية ، ان تكون جازمة، من غير تردد... فمن نوى ليلة الشك، صيام غد ان كان من رمضان، لم يجزه صومه، لعدم الجزم... وأن تكون مبيتة من الليل، حيث يجوز ايقاعها في أي جزء منه، ابتداء من غروب الشمس الى طلوع الفجر الصادق، أومع طلوعه، ولايضر ماحدث بعدها من أكل أوشرب، أوجماع، أونوم... وما الى ذلك من المباحات، ليلا... وكفت نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه، كصيام شهررمضان المعظم، وكفارته، وكفارة قتل، أوظها، والنذر المتتابع... فان انقطع هذا الصيام الواجب التتابع، بمرض، أوحيض، أونفاس، أونحو ذلك مما يفسد تتابع الصوم، وجب تجديدها بعد زوال المانع، وفق الشروط المذكورة آنفا...وكذلك الحكم لوكا ن الصوم غير متتابع، بأن كان متفرقا، أوكان مما يجوز تفريقه، كقضاء صيام شهررمضان، أوصيامه في السفر، أوكفارة يمين، وغيرذلك مما لايجب التتابع في صومه.
الركن الثاني: الامساك، وذلك بأن يكف الصائم، ويمتنع، عن شهوتي البطن والفرج ، أومايقوم مقامهما، من طلوع الفجر الى غروب الشمس، لقوله ـ تعالى ـ:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ...) الاية... ـ البقرة:187، ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(اذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبرالنهارمن هاهنا، فقد أفطر الصائم)
هذا، وللصوم ضوابط، وأحكام، قد نخصها بالذكر في مجلس لاحق، ان شاء الله ـ تعالى ـ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق