السبت، 16 أكتوبر 2010

الصفة الكاملة لمنا سك الحج: يوم عرفة


بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

مسألة فقهية، رقم:6
في فقه الحـج على المذهب المالكي
22 ـ يوم عرفة :

ثمّ عقب صلاة صبح يوم تاسع ذي الحجّة غادر منى اثر طلوع الشمس إلى عرفات، وانزل أوّلا بنمرة التي هي آخر الحرم وأوّل الحل، واغتسل هناك على جهة الاستحباب وإن تدلّكت أثناء هذا الغسل فليكن التدلك خفيفا مراعاة لمحظورات الإحرام، وهو غسل للوقوف بعرفة لا للصلاة، ولذلك فإنّه يطلب من الحائض والنفساء. ثمّ بعد الزوال اقطع التلبيّة نهائيا وتوجّه إلى مصلى عرفة "مسجد نمرة" لحضور خطبة الإمام والصلاة معه حيث يخطب خطبتين كالجمعة، يذكّر فيهما الناسي ويعلم الجاهل ـ بعد الحمد والشهادتين ـ كيفية الوقوف بعرفة والذهاب إلى المزدلفة، ومناسك أيّام التشريق ثم يصلي بالناس الظهر. ثمّ يؤذن ويقام للعصر فيصليها بهم، مقصرا الصلاتين جامعا جمع تقديم، وكلّ ذلك على جهة السنية، إلا أن أهل عرفة لا يقصرون أبدا وإن سن لهم الجمع الذي لا ينبغي لأحد تركه.
فإن لم يتسن لك حضور الخطبة والصلاة مع الإمام صل الظهر والعصر منفردا، أو في جماعة أخرى مقصرا الصلاتين جامعا بينهما جمع تقديم بأذانين وإقامتين على المشهور من المذهب.
فإذا فرغت من الصلاة، انفر مع الإمام، إن حضرت معه، وإلاّ فاذهب بمفردك أو صحبة الرفاق إلى موقف عرفة، الذي وقف فيه الرسول ـ صلّى الله عليه وسلٌم ـ وهو عند الصخرات العظام المفروشة أسفل جبل الرحمة، وسط عرفات، وقف هناك على جهة الاستحباب، وإلا فحيثما وقفت في جبل عرفات صح وقوفك، إلاّ في بطن عرنة، فإنّه لا يجزئ لأنّها ليست من عرفات، مع العلم وأن المقصود بالوقوف إنّما هو الحضور قدر الجلسة بين السجدتين، على أي حال كان، وقوفا أو مشيا أو اضطجاعا مادام الإنسان عالما بأن هذا المحل هو عرفة، وناويا الحضور به، ويستحب الوضوء طيلة الحضور، بيد أنّ المار بعرفة وهو حاج ـ يجب عليه الطمأنينة، وإلاّ فهو مذنب.
هذا والوقوف بعرفات واجب ابتداء من الزوال إلى الغروب، ويحصل ولو بإدراك جزء من هذا الوقت، وإلا لزم في تركه هدي. وأمّا الوقوف الركن فزمنه عقب غروب الشمس، ومنتهاه طلوع الفجر، ولا يتحقق إلا بادراك جزء من هذا الوقت كي لا يبطل الحجّ، إذ أن ترك الوقوف ليلا لا ينجبر بالهدي.
وفي هذا الموقف العظيم، واليوم المبارك يتجلى الحق ـ تبارك وتعالى ـ برحمته وفضله على أهل عرفات، لذا فأكثر من الدعاء والتضرّع واسكب دموع الخشية والندامة، واعزم على التوبة النصوح.
وإليك هذا الدعاء المأثور، فادع به فإنّه مناسب لهذا المقام والله ـ تعالى ـ المستجاب.
دعــاءعـرفـة

"الحمد لله الكريم المنان الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات، حمدا مباركا يملأ الأرض والسماوات.
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد نبي الهدى وصاحب الشفاعة العظمى.
الحمد لله فالق الحب والنوى الذي قدّر فهدى وجعل البيت الحرام مثابة للناس وقبلة للمسلمين، وكتب لمن حجه واعتمره معظما ومكرّما ومشرّفا، الذنب المغفور والسعي المشكور.
أحمدك جلّ جلالك، أن جعلتني من الملبين، وأن مننت عليّ بالوقوف في عرفات، أجدد إيماني، وأطهر نفسي، وأغسل ذنوبي، أحمدك يا ربّ العزّة، وأقرّ لك بالربوبة والوحدانية، فأنت ربي لا إله غيرك، ولا معبود سواك، ولا شريك لك في ملكك، أنت مولاي فنعم المولى ونعم النصير، وأشكرك على نعمائك فأنت ولي النعم وما بي من نعمة فمن جودك وكرمك وإحسانك.
اللّهم وبارك على حبيبك ورسولك نبي الرحمة، وشفيع هذه الأمّة سيّدنا محمّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بعثته هاديا وبشيرا ونذيرا وجعلته سراجا منيرا، فمزقت به الظلمات، وأنرت به الكائنات. آته اللّهم الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وأبعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد. اللّهم جازه عنّا خير ما تجازي به نبيّا من أنبيائك، لحمله الرسالة وأدائه الأمانة، واجعل صلاتي عليه مقبولة لديك، وامح لي بفضلها ما علق بي من سيّئات، وارفعني بها إلى أعلى الدرجات.
اللّهم لا أحصى ثناء عليك كما أثنيت أنت على نفسك، وكما ينبغي بجلال وجهك وعظيم سلطانك.
سبحانك أنت ربى وخالقي و رازقي، كنت ولم اكن شيئا، وكان عرشك على الماء، انفردت بالقدم  وبالبقاء، أنت الخالق البارئ المصوّر، مالك الملك تحيي وتميت وأنت على كل شيء قدير، تبعث من في القبور وأمرك بين الكاف والنون.
أشهد أنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد، المنزه عن الصاحبة والولد، وأنّه لم يكن لك كفؤا أحد، أنت غنيّ عن خلقك وأنا فقير إلى رحمتك، ناصيتي بيدك، نافذ في قضاؤك، عدل في حكمك.
صل يا رب على حبيبك خيرة خلقك، وصفوة رسلك،من جعلته لك داعيا، ولخلقك هاديا، وللمرسلين خاتما، وللمتّقين إماما، وللغرّ المحجّلين قائدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى أزواجه وأصهاره وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، صلاة تمحو لنا بها السيّئات، وتقينا بها شر الظلمات، وترفعنا بها إلى أعلى الدرجات.
ربّ تركت ضلال الناس واتبعت النور الذي أنزلته على عبدك ونبيّك سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ربّنا ناديتني فجئت، وأمرتني فلبيت، والفضل فضلك، فلك المنّة ولك الشكر على نعمتك يا قديم الإحسان، يا واسع العطاء، يا كريم الصفح ويا جميل العفو.
ربّي فارقت وطني، وأهلي، وولدي، وجئتك عابدا، تائبا طائعا، راهبا، راغبا، طامعا، وظانا بك الخير يا رب العالمين، فكما أوقفتني متضرعا اجعلني عندك من المقبولين وارسمني في سجل عبادك المحسنين.
اللّهم أعنّي على الابتهال إليك، وألهمني سديد القول وصالح الدعاء.
الّلهم إنّي أطرق باب رحمتك، فأقول وبك أستعين، فلا تردّني خائبا.
اللّهم إنّك أمرتنا بالدعاء، وتكفلت بالإجابة، وها أنا ذا أدعوك كما أمرتني، فاستجب كما وعدتني، لا إله إلا أنت ولا معبود سواك. اللّهم إنّي لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا رياء، ولا سمعة، إنّما خرجت لابتغاء مرضاتك، واتقاء لسخطك، وأداء لفريضتك، وطمعا في رحمتك ، وجزيل ثوابك فلا تخيّب رجائي يا أكرم الأكرمين.
اللّهم إنيّ وفدت إلى بيتك الحرام، ووقفت بهذا المشعر العظيم، متعرضا لاحسانك. وراجيا رحمتك، فأجبت، ولبيت، فاغفر لي ما أسررت وما أعلنت، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللّهم إنّي وفدت على بيتك حاجا، طامعا، فيما عندك، وقد جعلت من إيماننا بك، إكرام الضيف، وأنت أحق بإكرام ضيوفك. 
وأنت الذي تسأل ليس معك رب يدعى، ولا خالق فوقك، يخشى، وليس لك وزير يؤتى، ولا حاجب يرشى، وأنت تزداد بالسؤال تكرما، وجودا، وأنت تعلم ما في نفسي، فأقض حاجتي واغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني، إنّك أنت خير الرّازقين.
الّلهم إنّي صرفت وجهي إليك، ألوذ برحمتك، وأطمع في غفرانك، متوسلا إليك، بأسمائك الحسنى، وباسمك الأعظم، الذي إذا دعيت به أجبت وإذا استغفرت به غفرت وإذا استهديت به هديت، فثبت قلبي على دينك واصرفه إلى طاعتك و أدخلني جنتك واعتق رقبتي من النار يا عزيز يا غفار برحمتك يا أرحم الراحمين.
الّلهم خذ بيدي ولا تكلني لنفسي طرفة عين، فيسر أمري، وامض بي في سبيلك، وفي طاعتك، حتى لا أعود إلى المعصية أبدا.
اللّهم توكلت عليك فاكفني شر نفسي، وشر من يكيد لي من خلقك واجعل كيده في نحره.
اللّهم ها أنا ذليل بين يديك وحالي لا يخفى عليك، وقد عصيتك وأنت أعلم بما اقترفته من المعاصي، ولا يسعني في هذا المقام إلا عفوك فتقبّل إساءتي بالإحسان، يا كريم يا منان، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربّ أتيتك وقد ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وانقطع رجائي إلا من عفوك، وأنت الحليم، وأنت الكريم، وأنت الرحيم وقد سبقت رحمتك غضبك، فنجّني من عذابك يوم تبعث عبادك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللّهم إنّك بلغتني إلى بيتك بإحسانك، وأوقفتني بهذا المشعر العظيم بفضلك، فزدني من فضلك واقض حاجتي وحاجتي إليك يا ربّ، مغفرتك ورضوانك وعفوك وإحسانك وعتق رقبتي من النار والفوز بالجنّة.
اللّهم إنّي أدعوك خائفا ذليلا باكيا، فلا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما، وأنت خير من سئل، وخير من أعطى.
اللّهم أنت أملي ورجائي، أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عذابك ونقمتك، فمنّ علي بغفران الذنوب، وانقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة.
اللّهم اجعل خير عملي آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك، وحقق بفضلك أملي، وسهل لبلوغ رضاك سبيلي، وحسّن في جميع  الأحوال أعمالي.
اللّهم لا تدع لي في مقامي هذا ذنبا إلا غفرته، ولا همّا إلا فرّجته، ولا كربا إلا كشفته ولا دينا إلا قضيته، ولا عيبا إلا سترته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولي فيها صلاحا إلاّ قضيتها ويسرتها وأعنتني عليها.
رب أحسن عاقبتي في الأمور كلّها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنّه لا يملكها إلا أنت، تم نورك فهديت، لك الحمد. عظم حكمك فعفوت فلك الحمد.
رب وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهنئها، تطاع ربّنا فتشكر، وتعصى فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضرّ ،وتشفي السقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل، اغفر لي ما أخطأت، وما تعمدت وما أسررت، وما أعلنت، وما جهلت، وما علمت، وما أنت أعلم به منّي، واغفر ذنبي، واذهب غيظ قلبي، وأجرني مضلات الفتن ما أحييتني، وأسألك من اليقين أخلصه، ومن الغفران أكمله، ومن العافية خيرها.
الّلهم يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريمة، ولا يهتك الستر،يا عظيم العفو،و يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المنّ يا مبدأ النعم  قبل استحقاقها، يا ربنا وسيدنا ، ويا مولانا  و يا غاية رغبتنا، نسألك يا الله أّلا تشوي خلقنا بالنار.
الّلهم لا تصرفني عن هذا المشعر العظيم إلا وقد غفرت لي ذنوبي، ولا تجعل آخر عهدي من هذا الموقف العظيم وارزقني الرجوع إليه مرارا كثيرة.
الّلهم أسدل جلابيب رحمتك على جميع الملبين في هذا الموقف العظيم، واغفر لي ولهم، واصلح حالي وحالهم، ويسر أمري وأمورهم، واقضي حاجتي وحوائجهم، وفرج كربي وكربهم، وتوفني وإياهم على شريعتك، وعلى سنّة نبيك، وعلى طاعتك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وأولادنا ولمشائخنا ولأخواننا وأخواتنا وأصدقائنا وجيراننا، ولمن له حق علينا، ولمن أوصانا، واستوصانا بالدعاء، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
الّلهم افعل بنا وبهم ما أنت له أهل، عاجلا وآجلا، ولا تفعل بنا ما نحن وهم له أهل، يا الله ويا سيّدنا ومولانا، إنك غفور حليم جواد كريم رؤوف رحيم.
ربّنا تقبل منا إنّك أنت السميع العليم، وجد علينا إنّك أنت الجواد الكريم، وتجاوز عنّا إنّك أنت الرؤوف الرحيم. وصلى اللّه على أشرف المرسلين، النبي المصطفى سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
"ربّنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد"، رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه لي واصلح لي في ذريتي، إنّي تبت إليك وإني من المسلمين" الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}. آمين.
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته، ومن والاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق