الخميس، 28 أكتوبر 2010

معالم على الطريق: الصداقــــــــــة في الفكر الاسلامي



 

 بسم الرحمان الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
معالم على الطريق
الصداقــــــــــة في الفكر الاسلامي
الصداقة، أوالاخوة، أو الخلة، أوالصحبة، أو التحابب، قيمة انسانية ذات مدلول واحد، ولتعريفها، يمكن القول بأنها: حقيقة ثابتة، فطرت عليها النفس البشرية، وميل غريزي نحوالاخر، يجده الانسان من نفسه دونما تكلف، أوعناء، (اذ الارواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف).
وهي بهذا الاعتبار، عا طفة انسانية سامية، وضرورة اجتماعية لازمة، لاتستقيم حياة الافراد والجماعات، الا بها، وذلك بتوثيق سبل التواصل، والتعارف فيما بينهم، ومد جسور التعاون والتكافل بين اطيافهم واجناسهم، والا باتت الحياة غربة، وعزلة، ووحشة، وكآبة...
وما أتعس الانسان حين يستوحش بين بني جنسه، ويتغرب بين ابناء مجتمعه، وما اشقى الجماعة ان هي آثرت الانغلاق، وقطعت سبل الوصال... وفي هذا المعنى ـ والله اعلم ـ يقول الله ـ تعالى ـ :( {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات13
وصدق الامام الشافعي رحمه الله ـ اذقال: سلام على الدنيا اذا لم يكن بها... صديق صدوق، صادق الوعد منصفا،
وقال احد الحكماْء:( لو ملكت الدنيا، لكانت لاتعدل عندي ذرة وفاء من صديق، ومودة اخ كريم).

وعندي، ان الحق ـ سبحانه وتعالى ـ ماضرب المثل بنفسه، مثبتا صفة الخلة، لجلاله ـ تبارك وتعالى ـ ومظهراعلومقام نبيه ـ عليه السلام ـ الا ترغيبا في التخالل والتعارف، وحثا على التقارب والتواصل، اذ قال ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً{125} ـ النساء:124، والا فالله ـ عزوجل ـ غني عن الخلة وما يدعو اليها من منافع، أومغانم.
 ووفق هذا المنظورالسامي للصداقة، والفهم الطبيعي لجلال مقاصدها واهدافها، اسست الصداقة  في الفكر الاسلامي، وشيد بناؤها، ورسخت معانيها، حتى باتت أمرا تعبديا، واحدى قيم الدين المقدسة، وأنها اذا اطلقت، لا يراد بها سوى تلك التي قوامها، ومبناها، الحب في الله ـ تعالى ـ باعتباره اصدق حب، وأدومه،  وأما ما سواها فصداقة ضرفية، تزول بزوال اسبابها، وتنمحي بذهاب اغراضها، ومن ذلك صداقة المنفعة، وصداقة اللذة، وما الى ذلك من الصداقات التي أسست على الطمع، والشهوة، والابتزاز... والحسابات النفعية.
وبناء على هذا،عظم الاسلام مقام الصداقة في الله ـ تبارك، وتعالى ـ ورفع منزلتها، وأجزل ثوابها، بل وجعلها أوثق عرى الايمان ،حيث جاء ـ فيما أخرجه الامام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال:( كنا جلوسا عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أي عرى الاسلام أوثق.؟ قالوا: الصلاة، قال: حسنة وما هي بها، قالوا: صيام رمضان، قال: حسن وماهو به، قالوا: الجهاد، قال حسن وما هو به، قال:( ان أوثق عرى الايمان أن تحب في الله وتبغض في الله).
ثم هاهوـ صلى الله عليه وسلم ـ يكمل بها ايمان المرء، حين أقسم ـ  قائلا ـ فيما رواه، الامام مسلم ـ عليه سحائب الرحمة ـ :( والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولاتؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم).
هذا وما انفك ـ عليه الصلاة والسلام ـ يلفت انظارالباحثين عن اسباب السعادة، ويوجه الذين تخطفتهم الوحدة، واحكم عليهم القلق قبضته، وضاقت بهم الانفاس التي في الصدور، فيقول، فيما رواه الشيخان: ( ثلاث من كن فيه وجدبهن حلاوة الايمان، ان يكون الله ورسوله، أحب اليه مما سواهما، وأن يحب المرء، لايحبه الا لله، وأن يكره ان يعود في الكفربعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار).
وروي عنه، أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ثلاثة راحة للمؤمن، التهجد آخر الليل، ولقاء الاخوان، والافطار من الصيام).
أو تسألني بعد عن ثواب الصداقة في الاسلام، والله ـ تعالى ـ يقول في الحديث القدسي،(وجبت محبتي للمتحابين في، والمجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في) ـ الموطأ، وقال ـ سبحانه ـ :(المتحابون في جلالي لهم منابرمن نور يغبطهم النبيون والشهداء) ـ الترمذي، وحين قال ابو ادريس الخولاني لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ : اني احبك في الله ، قال له:( ابشرثم ابشر،فاني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  يقول: ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش، يوم القيامة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يفزع الناس وهم لا يفزعون، ويخاف الناس وهم لايخافون، وهم اولياء الله الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون، فقيل: من هؤلاء يارسول الله،؟ قال: هم المتحابون في الله) ـ الاحياء.
واخيرا، ولو كان للصداقة في الاسلام الاهذا، لكفى الاسلام فخرا أن جعلها امرا تعبديا، تملأ حياة المؤمن سعادة، وتؤهله للاستظلال بظل الله ـ تعالى ـ يوم لاظل الاظله.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله ومن والاه.
                                     الطا لبة: أروى الغربي









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق